مساع روسية لتعزيز نفوذها في تشاد
يستعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لزيارة تشاد يوم الأربعاء الخامس يونيو 2024، ليكون بذلك أول مسؤول روسي رفيع يزور نجامينا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي فاز فيها الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي إتنو، الذي حكم البلاد لأزيد من 3 سنوات كرئيس انتقالي، حيث خلف والده إدريس ديبي الذي قتل في معارك مسلحة، بعد حكم استمر 30 عاما.
وينتظر أن يتم خلال زيارة رئيس الدبلوماسية الروسية، توقيع نجامينا وموسكو على اتفاقيات مشتركة بعضها ذو طابع أمني، وذلك بالنظر إلى أولوية هذا البعد بالنسبة لدولة تشاد التي تعاني من هجمات الجماعات المسلحة منذ سنوات، كما أن المجال الأمني يشكل مدخلا رئيسا لروسيا لتعزيز نفوذها بمنطقة الساحل.
وتعد تشاد محط اهتمام من طرف روسيا، باعتبارها آخر دول الساحل الإفريقي، التي توجد بها قاعدة عسكرية فرنسية، وبالتالي فإنه سيكون من أهداف موسكو العمل على طرد تشاد القوات الفرنسية من أراضيها، على غرار ما فعلت النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي.
ويعكس السياق الذي تأتي فيه زيارة لافروف لنجامينا، مضي الطرفين في تمتين علاقاتهما الثنائية بما يعزز نفوذ موسكو بهذا البلد الحبيس.
فقبل أيام أعلنت وزارة الدفاعية الروسية، أن قواتها نفذت عملية عسكرية مشتركة مع الجيش تشادي، مكنت من تحرير 21 جنديا تشاديا كانت تختطفهم إحدى الجماعات المسلحة منذ 9 أشهر.
كما أن تشاد تشارك منذ أزيد من أسبوع في مناورات عسكرية مشتركة مع كل من مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، والتوغو، والدول الثلاث الأولى هي بلدان حليفة لروسيا، وقد انخرطت في “تحالف دول الساحل”، ويبدو أن هناك مساع لضم نجامينا ولومي لهذا التحالف.
وقد بدأ مسار التقارب الروسي تشادي، حينما زار الرئيس تشادي محمد ديبي موسكو شهر يناير 2024، وتباحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ملفات عدة، ونقلت الرئاسة تشادية عنه قوله إن “تشاد دولة مستقلة ترغب في توسيع آفاق علاقاتها مع الدول الصديقة”.
وقد عكست مطالبة تشاد مؤخرا الولايات المتحدة الأمريكية، سحب قواتها الخاصة من البلاد، تطورا يؤشر على دخول روسيا رسميا على خط التنافس على نجامينا.
ويكتسي الموقع الجغرافي لدولة تشاد طابعا خاصا بالنسبة لروسيا، حيث تحدها من الشمال ليبيا التي تحتضن المقر الرئيسي لقوات “الفيلق الإفريقي”، وهو تشكيل عسكري روسي تم الكشف عنه مطلع سنة 2024، ليكون بديلا عن مجموعة “فاغنر” الروسية الخاصة.
كما تحد تشاد من الجنوب إفريقيا الوسطى، ومن الغرب النيجر، وهما دولتان توجد بهما عناصر من “الفيلق الإفريقي”، أما بالنسبة للدولتين المتبقيتين المعنيتين بهذه القوات فهما مالي وبوركينا فاسو.
وهكذا فإن النفوذ الروسي في تشاد، سيمكن موسكو من الربط بسهولة بين الدول التي بها قوات روسية، كما سيتيح لها كذلك التقارب مع بلدان أخرى جديدة كالكاميرون ونيجيريا، البلدين اللذين يعانيان منذ سنوات من نشاط جماعة بوكوحرام.
وهو ما ستسعى من خلاله روسيا إلى تعزيز العلاقات مع الدولتين، بما يسمح لها بنشر قوات عسكرية لمواجهة بوكو حرام، وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الناشط في نيجيريا وبعض دول الساحل والشرق الإفريقي.
ومن خلال تعزيز حضورها في تشاد، سيكون لروسيا كذلك دور أكبر في السودان، وهو ما سيتطلب خفض التوتر الدبلوماسي بين نجامينا والخرطوم، والذي تصاعد خلال الفترة الماضية، إثر اتهام السودان لتشاد بدعم قوات الدعم السريع.
وفي أحدث المؤشرات على التقارب الروسي السوداني، أكد سفير الخرطوم لدى موسكو محمد سراج، أن بلاده لن تتخلى عن التزاماتها “ببناء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر”، وذلك باعتبارها “نقطة دعم لوجستي مهمة”.
كما أن الطرفين الروسي والسوداني، سبق أن وقعا في نوفمبر 2020 على إنشاء نقطة دعم لوجيستي للبحرية الروسية في السودان، ويتضمن الاتفاق السماح للأسطول الروسي باستخدام المركز اللوجيستي في السودان لمدة 25 سنة.
وهكذا فإن كل هذه الأبعاد تعزز أهمية تشاد بالنسبة لروسيا، من أجل التوسع عبرها في المنطقة، وتثبيت الحضور فيها.
الإعلامي المحفوظ ولد السالك