الكوري ولد أحميتي يكتب : " موريتانيا أولا" / الجزء 1/3( الوحدة الوطنية : التفاوت الطبقي و التنوع العرقي )

1- الوحدة الوطنية : التنوع العرقي و التفاوت الطبقي ..

 

الوحدة الوطنية هي الأساس المتين لبناء مجتمع قوي ومتماسك، إنها العمود الفقري الذي يعزز من قوة الدولة ويضمن استقرارها وتقدمها، فمن خلال الوحدة الوطنية، يمكن للأفراد من مختلف الخلفيات الاجتماعية والثقافية أن يتعاونوا ويتحدوا لتحقيق الأهداف المشتركة. فالوحدة الوطنية ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي حاجة ملحة لتجاوز التحديات والأزمات التي قد تواجهها المجتمعات. 

فعندما تكون الأمة موحدة، تكون قادرة على مواجهة الصعوبات بروح التعاون والتضامن، مما يؤدي إلى تعزيز الروابط الاجتماعية وتحقيق التنمية الشاملة. في هذا السياق، تتجلى أهمية الوحدة الوطنية كقيمة سامية تستحق أن تكون في صدارة الأولويات الوطنية لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا للجميع.

 

وفي ظل السياق الراهن الذي تعيشه موريتانيا، تبرز قضية الوحدة الوطنية كعنصر حاسم للتقدم والاستقرار الشامل في البلاد. ورغم أن الاستقراء التاريخي للمسار الموريتاني بدا بدخول الإسلام عن طريق الحركة المرابطية مرورا بكل المحطات الحاسمة في التاريخ القديم والمتوسط، لقد ظل الشعب الموريتاني يعيش في تلاحم وتضامن، مدفوعًا بقيم دينية تعزز التسامح والمساواة، وتحقق التكافل بين أفراد المجتمع. وفي هذا السياق، يأتي دورنا اليوم في تعزيز هذه الوحدة ومواجهة التحديات التي تهدد بنية الوطن.

 

هذا الانسجام كفله المشترك الذي يوحد كل أطياف هذا المجتمع متمثلا في قيم الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء برسالة محبة ومساواة، أساسها التآزر بين المسلمين. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال أيضًا: "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا". هذه القيم الراسخة هي التي تمسك بها الشعب الموريتاني بكل مكوناته حتى يومنا هذا.

 

ومن خرج عن هذه القيم دون الشجاعة لإعلان ذلك، مكتفيًا بالارتماء في أحضان أعداء الوطن، يجب أن يُحارب سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا بلا رحمة. ولا بد من وصفه بالزنديق الذي خان وطنه وقيمه، والعمل بكل الوسائل الممكنة لعزله وفضحه، فالزندقة انحراف ديني سواء كان سريا أو علنيا و انحراف وطني، فالزنديق كائن غريب مغترب عن بيئته منقطع الصلة بها تائه لا يعرف وجهته.

 

لذلك فالزنادقة إذا تفلتت من القيد الوطني الذي سجنت فيه تكون كرأس الأفعى لا تموت إلا بالقطع.

 

إن المساس بهذه الوحدة سيظل صعب المنال على المتربصين بها من أصحاب خطابات الحقد والكراهية داخليًا وخارجيًا، من طامعين في خيرات البلاد. 
ان موريتانيا لها رب يحميها وشعب شرس يعرف كيف يواجه أطماع الطامعين أيا كانوا.

 

وباستقراء التاريخ الحديث للجمهورية نجد الحركات السياسية القومية و الوطنية  في موريتانيا لعبت دورًا محوريًا في ترسيخ الروح الوطنية من خلال تفجير طاقات الشباب آنذاك وجعلهم يحملون مشعل الفكر والتغيير ، فقد ساهمت في تحويل الشباب إلى طليعة سياسية نشطة، تدفع النظام نحو قرارات هامة مثل إنشاء العملة الوطنية وتأميم ميفرما و إصلاح التعليم و ترسيم  اللغة العربية و تحقيق التعريب و ترسيم اللغات الوطنية الأخرى .

 

و أتذكر هنا في هذا السياق اليوم الذي كان يوما فارقا في تاريخنا الوطني يوم تأميم ميفرما حيث كنت أنا وبعض زملائي في السجن بأطار  على خلفية بعض المظاهرات و الاحتجاجات ضد النظام آنذاك، ومعنا بعض الرفاق من حركة الكادحين، حيث عمت علينا الفرحة بهذا الإنجاز الوطني رغم معارضتنا للنظام و تبايننا الفكري إلا أن اللحظات الفارقة في تاريخ الوطن تجمع بعد التفرقة و لا صوت يعلو في تلك اللحظات سوى لحظات الوطن الجامع.

 

ولكننا اليوم للأسف، نلاحظ تراجعًا كبيرًا في اهتمامات الشباب بالقضايا الوطنية، مع ميلهم المفرط إلى الشكليات المادية واتباع مسلكيات تبتعد بهم شيئًا فشيئًا عن القضايا الوطنية الكبرى. هذا التراجع هو أخطر ما يهدد البلاد اليوم .

 

إن الحلول الجذرية حسب اعتقادنا تبدأ بخلق وعي وطني يكون الضامن الأساسي لحماية وحدة البلاد أرضًا وشعبًا. و يجب أن يبدأ هذا الوعي من الأسرة ثم المدرسة على كافة مستوياتها من خلال برنامج للتربية المدنية اساسه مفاهيم المواطنة، وينتهي بالتأطير السياسي على مستوى الأحزاب، التي يجب أن تكون لها مرجعيات فكرية بعيدة عن التقوقع حول الأشخاص، ، بشرط أن يحتكم الكل إلى الحل الديمقراطي الذي ينسجم مع الضوابط الديمقراطية المعروفة عالميًا.

 

كذلك الحفاظ على المشترك الوطني من خلال التشبث بقيمنا الدينية والحضارية الحميدة، مع التمسك بالروح الوطنية التي يجب أن تتحكم في سلوك الجميع، وهو أكثر ما يوحدنا ويضمن تماسك شعبنا. هذا التشبث يجب أن يخضع لاعتراف كل واحد منا بحقوق الآخر، وعدم لجوء أي منا إلى الاستقواء بالأجنبي. 

 

فالحالة الموريتانية المتميزة بالارتباط الديني والتداخل السكاني الناتج عن عامل الجغرافيا، كملكية الأرض (الملكية التقليدية)، تظل عنصر وحدة فهذان العاملان سيظلان يقفان مانعًا طبيعيًا أمام أية محاولة لتقسيم البلاد. وعليه، يبقى الدين والجغرافيا أكبر حامي لهذه الوحدة، مع أنه يجب احترام حقوق الجميع، سواء كانوا أقلية أو أكثرية.
فمحاولة المساس بوحدتنا وتماسك شعبنا ستظل عصية على المتاجرين، لأنها ليست بضاعة تباع، بل هي صخرة ستتحطم عليها كل محاولات الأعداء، أياً كانوا، وأياً كانت الجهات الموجهة لهم، كما كان الحال في الماضي.

 

فأولئك الذين فضلوا استغلال التنوع العرقي لشعبنا لتحويله إلى أداة تفرقة بدل أن يكون عنصر قوة لنا، كما كان في الماضي، إنما يقومون بذلك نتيجة جهلهم للانسجام الذي ظل قائماً بين مكوناته على مر التاريخ، والذي مكنه من مواجهة المستعمر للدفاع عن الوطن، كل حسب وسائله. مما مكنه من الحفاظ على هويته الحضارية. وكذلك التحالفات السياسية التي كانت تقام في البلاد قبل مجيء الاستعمار لم تأخذ يومًا من الأيام بعين الاعتبار الانتماء العرقي. 
فباستقراء التاريخ كثيرًا ما نجد قبائل زنجية تدخل في تحالفات مع قبائل عربية بالمفهوم المجتمعي ضد قبائل عربية أخرى، والعكس صحيح. وقد تصل هذه التحالفات إلى إلغاء الدية بين المجموعة العربية والمجموعات الزنجية المتحالفة معها.

 

فالتسميات الموجودة الآن داخل المجتمع الموريتاني، مثل: عرب وزوايا وطلبة و ازناكة و احراطين و امعلمين، إلى غير ذلك من التسميات التي لا مدلول لها عرقيًا وإنما هي تقسيمات خلقتها البيئة الصحراوية لتقسيم الأدوار ولا علاقة لها بعرق ولا بلون، هي تقسيمات موجودة في كل مكونات الشعوب الأخرى بمصطلحات مختلفة. لكن البعض، وخاصة في الغرب، يريد استغلالها بإعطائها مدلولات اجتماعية وحتى سياسية في بعض الأحيان، والدفع بعملائه في البلاد إلى إعطائها معاني يمكن استغلالها في حالات معينة لزعزعة الاستقرار في البلاد للضغط على الحكومات الموريتانية. 

 

فالمحاولات البغيضة التي تسعى إلى استغلال التفاوت الطبقي داخل المجتمع الموريتاني، تعود أسبابه إلى الماضي البعيد. إذ جاء نتيجة عامل القوة وغياب سلطة مركزية في البلاد قادرة على فرض القانون وإعطاء كل ذي حق حقه. هذه الممارسات يتفق الجميع على إدانتها 
، ولا علاقة لها باللون أو العرق. فإثارتها كظاهرة تدين البعض لصالح الآخر لا يمكن تبريرها بأي منطق فكري أو سياسي.
أما أن يكون اللون أساسًا يبنى عليه الانتماء في موريتانيا فهو منطق أعوج وغير سليم لا تاريخيا ولا  واقعيا فهناك قبائل عربية عريقة ذات بشرة سوداء، وتمثل نسبة كبيرة من السكان في اترارزة و كوركل و لبراكنة والحوض الشرقي، فالبشرة لا تدل على شيء عندنا في موريتانيا، وهنا لابد أن يعرف المهرولون أن هذا الوطن الذي منَّ الله عليه بالمشترك الإسلامي، والذي ظل متماسكًا بفضله على مر التاريخ، سيبقى كذلك مهما حاول أعداؤه.

 

 

أما الانتماء الفئوي الذي يلعب عليه البعض الآن بإملاءات من مسيريهم الخارجين بوقاحة تجاوزت كل الحدود، فلن يفيد أصحابه.
 فهذا الانتماء لا يمكن أن يحل محل الانتماء القومي الذي أساسه الانتماء الحضاري الهوياتي.  وبالتالي، فإن خطاباتهم لن تجد من يستمع إليها، وسينطبق عليهم المثل القائل: "القافلة تسير والكلاب تنبح". فالعبودية ظاهرة اجتماعية مرت بها كل الشعوب  ينبغي النظر اليها في سياقها التاريخي الموضوعي و معالجة آثارها الراهنة عن طريق تذويب الفوارق الاجتماعية من خلال إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى توفر فرص عمل لضحاياها من أجل حياة كريمة، ولأمثالهم من المجموعات الهشة  الأخرى,كل ذلك على أساس انها قضية مجتمع و ليست قضية حكومة .

 

 

فموريتانيا بلد غني بثرواته الطبيعية، وهو ما يجعله وجهة للطامعين من قوى غربية ما زالت تصر على الاستمرار في نهب ثروات العالم الثالث. ودليل ذلك ما حصل في العراق و ليبيا اللتين قاموا بقتل زعيميهما المغفور لهما بإذن الله  القائد معمر القذافي و صدام حسين . 

 

 

وعليه فالواقعية تقتضي منا النظر الى الوضعية الإقليمية لموريتانيا حيث نجد أنها تقع في منطقة تشهد تحديات أمنية متزايدة، بما في ذلك الإرهاب والتهريب عبر الحدود والجريمة المنظمة والهجرة السرية. ووجود الثروة والتمدد الصهيوني فهذه التحديات تجعل من الضروري تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية للدولة لضمان حماية الحدود ومكافحة التهديدات الأمنية يرافقها برنامج واسع ومحكم للمرتنة. كما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لموريتانيا يتطلب وجود قوات مسلحة قوية قادرة على الردع وحماية المصالح الوطنية.

 

..يتواصل 

18 July 2024