ليت غزواني يسمعها مني !/ سيدي علي بلعمش
يسود الآن في البلد نوع من الانكسار الجماعي حد التذمر ، غير مألوف .
يمكن وصفه بالحالة الارتدادية غير المتوقعة أو غير المفهومة !!
و حتى لو كان التذمر يُوَّلِدُ النقد و النقدُ حالة صحية تولد الصواب ، فإن الصواب في بلدنا يولد بيرام أحيانا ، كما هي الحال الآن !!
يرى الكثيرون أن الوضع في البلد غير جيد و غير مفهوم : و يفسرون حالة هذا الوضع بـ : "غير جيدة" لأنها غير مفهومة و "غير مفهومة" لأنها غير جيدة!!
تفسير الماء بالماء هو ما يفضى إلى حالة الارتباك غير المسبوقة التي تعيشها النخب اليوم أكثر من العامة و يبحث فيها الجميع عن أي معنى لما يحدث !!
ما يعنيه هذا الكلام ، هو أن الناس تبحث اليوم ، بقلق معلن عن رؤية النظام و توجهه ، لا عن إنجازاته ..
و كأن الجميع ينتظر نتائج لعبة مخفية تحاك في الظلام ، أصبح الكل يستقبل أي مفاجأة كاذبة بتأكيد نبوءاته : "ألم أقل لكم إن الوضع …" !!
هناك اليوم حالة انسداد للأفق ليس من عادة النخب (حتى المستميتة في الموالاة منها) ، التعايش معها و هو أمر يبدو أن السلطات لا تعطيه ما يستحق من تفكير و لا تدرك ما ينطوي عليه من مخاطر ..
و يرى آخرون أن مشكلة هذا النظام هو أنه يقتل كل ما يفعله بما يقوله و كل ما يقوله بما يفعله !!
اهتزاز صورة السلطات و أزمات الثقة بين الشعوب و سلطاتها لا تنتج إلا عن التقارير الكاذبة أو المكذوبة التي تصل إلى الرؤساء . و التقارير المكذوبة لا تصل إلى الرؤساء إلا حين ينتجها غير المكلفين بها ، لأنهم عادة يحملون صفة الطرف في كل ما يبلغون عنه ، مهما تظاهروا بالوفاء للرئيس و حتى لو كانوا وزراء أو مدراء أو أقرب من ذلك !!
و تَحولُ النظام اليوم إلى جهاز جبايات بلا رحمة ، ليس ما يحتاجه ولد الغزواني في هذا الوقت بالذات و لا ما يتحمله شعب يعتبر البطالة و ارتفاع الأسعار مشكلته الأهم !!
التغطية على الفساد بمداخيل الجبايات هو أسوأ ما تقوم به أي حكومة في حق رئيس بلدها و هو أسوأ تغطية على فشلها !!
تكاد اليوم تكون كل إنجازات نظام غزواني غير موجودة أو غير مرئية على الأقل ، و هو اتهام يوضح عجز حكومته المتآكلة بفعل الصراعات الداخلية (كما يرى البعض) : لماذا تعجز هذه الحكومة عن تسويق إنجازات الرئيس إذا كانت تكذب نكران الآخرين لوجودها !!
أفضل رئيس وزراء أو وزير أول عرفته موريتانيا عبر تاريخها هو كان ولد بِلال و أكثر استقلالية منحت لوزرائها من قبل رئيس الجمهورية هي كانت ما حصل في عهده و أعلى درجة شفافية هي ما كانت في زمنه حيث وصف هو نفسه حكومته بالفاشلة قبل أن يصفها الرئيس بنفس الحالة : لقد أدى ولد بلال مهمته بكفاءة عالية لينال جزاء سنمار ، بعد حملة انتقاد مسعورة ، وصفته بضعف الشخصية و ميوعة الأسلوب لتلصق به حكومة الفشلِ فشلَها المشهود من قبل الجميع و على رأسهم رئيس الجمهورية الذي اعترف جهارا بفشلهم ، لا بفشل وزيره الأول !؟
و أهم ملاحظة اليوم في هذا البلد و هي أكبر و أقدم و أرسخ حقائقه ، هي أن كل من يواجه الفاشلين و الفاسدين فيه ، يَحكمُ على نفسه بالتهميش و الإبعاد و العقوبة : تلك هي كانت السبب الأوحد لإبعاد ولد بلال ، مع الأسف !!؟
و ما لم يغير ولد الغزواني هذه الحقيقة التي دمرت كل شيء في هذا البلد ، ستظل بصماتهم الطاغية شاهدًا على كل فشل في كل مجال ، بمهاراتهم العالية في تشويه الآخرين التي لم يعها أي رئيس موريتاني سابق إلا بعد فوات الأوان !!
ستزيد تكلفة مشروع تحديث العاصمة نواكشوط ، أضعاف المرات في خطة مدروسة من القائمين عليه ، يعرفون بدقة كيف يبررون كل ملحقاتها في عملية استنزاف لا تخر الماء . و لن يهمهم بعدها أن يوصف المشروع بالفشل لأن المزايا ستكون قد وصلت إلى جيوبهم و فاتورة الفشل محسوبة على الرئيس ؛ و الأيام أمامنا !!
لا أستهدف أي جهات بعينها بهذا الكلام ، لكنه مع الأسف دَأَبُ الجميع في تنفيذ مثل هذه المشاريع المرتجلة من جهة و سهلة تبرير الفشل من أخرى ، بسبب تداخل المهام و شيوع تبادل الاتهامات !!
على الرئيس غزواني اليوم ، أن يقود حكومته بنفسه و يشرف بنفسه على تنفيذ أدق تفاصيل كل مشاريع برنامجه و أن يتعقب بنفسه مسالك الفساد في كل الاتجهات و يشرف بنفسه (مع فرقة حراسة فقط و بعيدا عن الكرنفالات المخجلة) ، على إحياء الداخل و العمل على إسهامه في عملية التنمية بدل أن يظل عبءً على الدولة ..
حينها فقط ، سيرى الرئيس بأم عينه الآثار المدمرة للفساد و يدرك بنفسه الفشل المحمي للإدارة و الأكاذيب المحاكة بمهارات عالية لكل ما يصله من تقارير مفبركة ..
هذا هو ما تحتاجه موريتانيا اليوم ، لكن أيضا و أيضا ، هو ما يحتاجه ولد الغزواني أكثر من البلد و أكثر حتى من شعبه المُعَسكَر في الشمس ؛ ليته يسمعها مني !