أبناء الفاظل.. قصًة رجال شيًدوا مسجد "وادان" وسهروا على تأمين المدينة
من خلال نفض الغبار عن الموروث الثقافي لمدينة وادان، وإبراز الشخصيات التي ساهمت في تأسيس مدينة بمعايير خاصة، قهروا بها الطبيعة واستطاعوا أن يزاوجوا فيها بين فن العمار وقتها، وترسيخ قيًم الاسلام السًمح في التعاون والتعاضد والمحافظة على خصوصية الجمع بين العلم والعمل.
وإذ تعتز موريتانيا بموروث وادان، التاريخي وهي المسجلة ضمن التراث الانساني لدى اليونيسكو، يعتز أهل "وادان" بمآثر اجدادهم المؤسسين وعلمائهم الذين ذاع صيتهم في مختلف أصقاع العالم، ولعلً محمد يحظيه الفاظل الذي شيًد المسجد العتيق وشقيقه سيد ألمين من بين الشخصيات التي ذاع صيتها وتركت مآثر تستحقٌ التأمل والإعجاب.
فقد استطاع يحظيه الفاظل بعزيمته التي لا تلين وإصراره على أن تقام الصلاة على هذه الربوع الطاهرة، ضمن جماعة من رجال وادان ممن دفعوا الغالي والنفيس لأن تقام بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه فكان قَسمُ محمد يحظيه بأن يبنى العتيق بين الجمعة والجمعة، تحديا وقهرا للطبيعة وتأكيدا على أن كرامات أولي العزم من عباد الله الصالحين لا حصر لها ولا تعترف أبدا بالمستحيل.
عكس بناء مسجد وادان العتيق سنة 1834م، رغم تحديات كثيرة ليس أقلها جلب المياه من أسفل الجبل، قوة العزيمة عند الآباء المؤسسين وصبرهم وجلدهم على قساوة الطقس وانعدام الوسائل، لكنه برهن على الإرادة والتكافل الاجتماعي الذي تميزت به المنطقة لدرجة أنهم وفي اليوم السادس من تشييد المسجد وبعد أن وجدوا صعوبة كبيرة في جلب المياه ـ والقوم عازمون على أداء صلاة الجمعة ـ لجأوا إلى استبداله بـ"السًمن" رغم غلائه في تلك الحقبة.
في المقابل حرص شقيق يحظيه، العالم الجليل والرجل المنفق سيد ألمين على أن يكون مثالاً للرجل المنفق الذي بنا بيته بجوار المسجد وفتحه لطلاب العلم وعابري السبيل، غير أن والد الشقيقين يحظيه وسيد ألمين، الفاظل ولد احمد محمد، كان بمثابة الحصن الحصين لوادان وهو من أفنى عمره في الذود عن أهلها وحمايتهم من العدو، فقد كان يزيل لوحده "الصخرة" التي تسدٌ طريق الجسر المعروفة باسم طريق وَكيًه يوميا عندما يستيقظ باكرا، وبعد أن يحلٌ الظلام.
واليوم إذ تسعى السلطات لنفض الغبار عن الموروث التراثي للمدن التاريخية، وإسهامات الشناقطة في إقامة مدن بمعايير عمرانية فريدة من نوعها، كان لها إشعاعها العلمي الذي ملأ الآفاق وأعطى لهذه الأرض ميزة الجمع بين قطف الثمار ونيل العلوم، يبقى أن ندرك بأن رجالا عظام تركوا لنا مجداً تليداً يستحق الفخر و الاعتزاز.