لم يمتْ من عاش الطوفان/ محمد الأمين الفاضل

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يغتال فيها العدو قائدا كبيرا من حماس برتبة رئيس المكتب السياسي، فقبل هنية تمكن العدو من اغتيال القائد المؤسس أحمد ياسين، والرنتيسي وقادة آخرين كثر.

إن الجديد في اغتيال القائد إسماعيل هنية يكمن في أمرين :

أولهما، أن هنية على عكس غيره من قادة حماس أحمد ياسين والرنتيسي تم اغتياله بعد أن عاش أكثر من تسعة أشهر من معركة الطوفان، ومن عاش معركة الطوفان لم يمت، فبعد السابع من أكتوبر، ورغم حجم الكلفة الكبيرة لمعركة الطوفان، إلا أنه يمكن القول بأن ثمار المقاومة بدأت تُقطف، وأن عَدَّاد هزيمة العدو بدأ يشتغل ودون توقف.

لم يمت قادة حركة حماس، وكلهم كانوا يتمنون الشهادة فنالوها، ونحن نحسبهم جميعا شهداء عند ربهم يرزقون، ولكن الشيء الذي يختلف به هنية عن بقية قادة حماس الذين اغتيلوا من قبله هو أنه عاش معركة الطوفان، ومن عاش معركة الطوفان من قادة حماس لم يمت، ورزق حياة من قبل الحياة التي وعد بها رب العالمين الشهداء.

ثانيهما، أن هنية اغتيل خارج فلسطين، على العكس من أحمد ياسين والرنتيسي، واغتيل في توقيت حرج جدا بالنسبة لإيران وحلفائها في المنطقة.

فاغتيال القائد اسماعيل هنية في إيران خلال مشاركته في مراسم أداء الرئيس الإيراني المنتخب لليمين الدستورية، هو اعتداء صريح ومستفز على إيران، واغتيال فؤاد شكر من قبل ذلك بساعات في الضاحية الجنوبية لبيروت، هو اعتداء صريح ومستفز على حزب الله، وكل ذلك يعني بالمجمل أن ما قبل تلك الاغتيالات لن يكون مثل ما بعدها، أو هكذا يُفترض أن تكون الأمور.

إن تزامن العمليتين في لبنان وإيران، واستهداف قائدين بحجم هنية وفؤاد شكر، في العاصمتين الإيرانية واللبنانية يلغي كل الخطوط الحمراء، ويكسر كل قواعد الاشتباك، ولم يعد يمكن لإيران ولا لحزب الله أن يترددا في توجيه رد قاس وموجع للعدو بحجة احترام قواعد الاشتباك أو بحجة عدم تجاوز الخطوط الحمراء.

لا معنى إطلاقا للحديث عن قواعد الاشتباك والعدو لا يحترم أي قواعد اشتباك، ولا معنى للحديث عن خطوط حمراء، والعدو ليست لديه أية خطوط حمراء.

ما حدث في الساعات الأخيرة، وضع إيران وحلفائها في المنطقة في موقف حرج جدا، ولم يعد بالإمكان أن تتحجج إيران وحزب الله بأي حجة في تأخير الرد، وبرفع مستواه إلى أقصى حد ممكن. 

بكلمة واحدة، يمكن القول بأن العدو حقق نصرا تكتيكيا كبيرا باغتيال قائدين كبيرين من المقاومة الفلسطينية واللبنانية في وقت متزامن، ولكنه سيخسر استراتيجيا خسارة كبيرة إن أدت عمليات الاغتيال هذه إلى جر إيران وحزب الله إلى مواجهة شبه مباشرة مع العدو، والراجح أنها ستجرهما إلى ذلك، لأنه لم يعد هناك أي عذر يمكن أن تدفع به إيران أو حزب الله لتبرير عدم دخولهما في مواجهة شبه مباشرة مع العدو.

 

31 July 2024