مجلس الوزراء في لگوارب.. لأي هدف؟

سيعقد مجلس الوزراء اجتماعه الأسبوعي هذه المرة يوم الخميس بدل الاربعاء وخارج نواكشوط: في مدينة لگوارب أيضا، في حدث تاريخي حيث لم يسبق أن انعقد خارج نواكشوط في العقد الماضي على الأقل ومن حيث التوقيت حيث تجري في نواكشوط محاكمة نظام سابق وقوي وكأنها إشارة إلى أن ذلك لا يمثل حدثا استثنائيا بالنسبة للجهاز التنفيذي ،كما قد يكون هنالك إعلان مهم بالنسبة للقطاع الزراعي ..اختيار لگوارب بالذات له دلالات عميقة قد لا تفوت على غزواني، فهي عاصمة ولاية اترارزة التي هي ثاني أكبر والولايات الوطنية من حيث التعداد السكاني بعد الحوض الشرقي، وهي أكبر ولاية من حيث الوزن الانتخابي بسبب نسبة المسجلين دائما، ويعد من أسباب الفرق الانتخابي بين الولايتين الطابع الرعوي لمنطقة الحوض ووجودهم في الغالب فترة التسجيل خارج الاراضي الموريتانية … كما تتربع ولاية اترارزة على أعلى نسبة للتعليم في البلد، وتقع على النهر حيث تطل ثلاث مقاطعات منها من أصل 6 عليه ،وهي اركيز ولگوارب وكرمسين. وتعد الأكبر من بين ولايات الوطن زراعيا خاصة زراعة الارز التي بدأت في البلد سنة 1967 من خلال مشروع إمبوري النموذجي بتمويل وتنفيذ صيني. وقد أصبح انتاجه اليوم يغطي 80%من احتياجات البلد من الارز إضافة إلى الانواع الأخرى من الفلاحة …كما يقع بها المعبر الرئيسي بين موريتانيا والسينغال… وتمتد أهمية هذه المدينة، إضافة إلى الطابع الزراعي، إلى الطابع السياسي حيث شهدت أهم وأكبر حدثين في تاريخها انطلاق حركة المرابطون وكذلك أكبر خطوة لتوحيد المجتمع الموريتاني في دولة واحدة بمبادرة من العالم الجليل الشيخ سيدي ولد هيبة اجتمع خلاله الأمراء لنقاش تكوين دولة وبناء جيش كما كانت البوابة الرئيسية لدخول الاستعمار، فقد تم توقيع أول اتفاق للدخول السلمي الفرنسي لموريتانيا منها سنى 1902 في اجتماع سهوة الماء مع أمراء اترارزة ولبراكنة وباب ولد الشيخ سيديا تتويجا لفتواه الشهيرة بدخول الفرنسيين ،كما أطلقت منها أول حرب ضد المستعمر من طرف أمراء أهل محمد لحبيب على الضفة اليسرى. لقد عرفت الثغور الجنوبية الغربية للبلاد حروبا استباقية للوجود الفرنسى في المنطقة تحت قيادة أميري الترارزة أعمر ولد المختار 1800 ـ 1829 وابنه محمد لحبيب 1829 ـ 1860 فحققا انتصارات معروفة خلدتها المدونات المحلية والأروبية. وكان اهمها حرب محمد لحبيب الذي حرق السفن وهاجم "سين الويس" أو أندر كما اتفق على تسميته محليا، وهو أرض موريتانية تم ربطها بالسينغال من خلال جسر محمد لحبيب ولد هدي ولد أحمد بن دمان. وكانت بها عاصمة التبادل التجاري مع الفرنسيين ومن ثم عاصمة الوجود الفرنسي في موريتانيا ..وكانت بها ثاني رصاصة أطلقت ضد الفرنسيين على الاراضي الموريتانية أطلقها مختار أمّ ولد الحيديب نهاية 1903 .ظلت مدينة روصو حينها متاخمة لعاصمة موريتانيا فترة الاستعمار حيث تجتمع فيها كل الوفود السياسية والتجارية وغيرها، وبالتالي كانت محطة للتعارف والتلاقي بين كل أصناف المواطنين من شيوخ وساسة وتجار وطلاب، كما ظلت الطريق إلى جميع الولايات الجنوبية و الشرقية من الوطن تمر بها ..أما أهميتها الاجتماعية أو التاريخية فلكونها تحتضن إمارة اترارزة التي كانت قوية وارتبطت بعلاقات تجارية نشطة مع الغربيين من الهولنديبن والبرتغاليين والانجليز والفرنسيين، وتم تأسيس مناء بها هو ميناء هدي ولد أحمد بن دمان المعروف في الوثائق الغربية ببور تانديك ومحطات شاطئية أخرى للتبادلات التجارية. كما امتد نفوذها إلى بودور أو "إدويرَ" حيث انتهى ذلك النفوذ بعد المعارك التي قادها محمد لحبيب ضد الفرنسيين ..تحتضن اترارزة ثلاثة مفاهيم اجتماعية لها واسع التأثير والالهام ولها مدلولها الثقافي الأخلاقي والقيمي مثل "اتْرَزْگِ" وهي الأنفة والعفة، و"الديمين" وهو الدهاء وشدة التحمل والقدرة على الكتمان وهضم النفس، و"اتبزگي" وهو الوضوح الذي ما وراءه وضوح. لكل واحد من هذه الأنماط من السلوك مبادءه العميقة ومدلوله الأخلاقي والمسلكي، ويعبر عن نمط معين من التثاقف والتاريخ ويؤرخ لاحداث معينة من حروب وتحولات ..تعد لكوارب أو روصو، وهو إسم على المدينة السينغالية المقابلة وهو تكرار لحالات مماثلة مثل "ماتم" و"تيفيند سيفا" في گيدي ماغا …تعد لكوارب إذن إحدى أقدم ولايات الوطن من الناحية الادارية و كانت بها أول ثانوية درس فيها أغلب الرعيل الأول باستثناء المرحوم الرئيس المختار ولد داداه ،كما أنها هي التي تلقى فيها جميع الرعيل الأول من جيشنا الوطني أثناء نشأته خاصة الدفعة الاولى تكوينهم العسكري وتهيئتهم لقيادة الجيش الموريتاني ..

تقع لكوارب على الحدود مع السينغال إذ يفصلهما نهر صنهاجة، وهي التسمية القديمة للنهر التي لها هي الأخرى مدلولها التاريخي المرتبطة بحركة المرابطين وحركة ناصر الدين وسيطرة القبائل العربية والصنهاجية عليه قرون عديدة قبل الاستعمار ..يعبر موقع هذه المدينة عن موضع غير مدروس مثل أغلب مدننا، فقد وُضعت في منطقة شمامة المحاذية للنهر ، وهي منطقة معروفة بتربتها اللزجة المغبرة ولوقوعها فريسة دائمة للبعوض ولفيضانات النهر. لقد غرست المدينة لو تم نحتها في منطقة غير قابلة للحياة، فقد عجزت الدولة، في مناسبات عدة تتعرض فيها المدينة لكوارث، عن ترحيلها إلى الشمال قليلا حيث تختلف التضاريس وحيث يمكن أن يكون للمدينة معنى حضري بالنسبة للتخطيط العمراني والنظافة واعتدال الارض وابتعادها قليلا عن فيضانات النهر .. فقد ظل نصف سكان المدينة يقعون في مأساة كل سنة مع فصل الخريف حيث تغمرها مياه المطر مع انعدام كامل للصرف الصحي ومع انتشار البرك، ويبقى حي مثل السطارة تحت رحمة المياه الراكدة إلى حين .. وكثيرا ما كان الناس يسكنون فوق الماء في ذلك الموسم، وقد تعودوا على ذلك أشهرا خلال السنة ولمدة سنين، كما يقع السوق والطرقات في نفس الوضعية خلال فصل الخريف، وبذلك ظل وجه المدينة على حاله بالنسبة للاستثمارات العمرانية التجارية أو السياحية … الأنظمة التي تعاقبت كانت تهمل لدرجة كبيرة التنمية الحضرية، وقد ظل هذا البند بلا رف في الميزانية العامة للدولة لذلك ترُكت تلك المهمة للبلديات التي ظلت في جوانب عديدة ريفية بسبب انعدام التنظيم وانعدام الدخل فلم تتجاوز أن ظلت قطاعا إداريا في أغلب الأحوال …

خلال نهاية عقد التسعينيات انتهج الرئيس معاوية خطة زراعية طموحة جعلت هذه المنطقة منطقة زراعية كبيرة من خلال تركيز الدولة على دعم النشاط الزراعي خاصة الأرز فيها ….لكن الولاية ظلت في جوانب أخرى تشعر بالضعف والتخلف خاصة التنظيم ومظاهر التحضر ..ومع ذلك فهاهي تشهد حدثا تاريخيا وهو عقد أكبر وأهم اجتماع في البلد يضم رئيس الجمهورية وجميع اعضاء الحكومة في لگوارب أي أنها تحولت إلى العاصمة السياسية للبلد خلال تلك الفترة مما يجعلها تحت الأنظار.. فماذا أعد أهل لگوارب لذلك؟…الأهداف أو القرارات ستكون مهمة وتنضاف لاعلان الرئيس السابق حول تحقيق الاكتفاء الذاتي في الخضروات الذي اطلقه من هناك … لكن قبل ذلك هناك ترتيبات عديدة أمنية وسياسية. وبالنسبة للبنى ستكون مهمة بالنسبة للولاية من حيث التطوير والجاهزية والبنى التحتية والقدرة الاستيعابية للولاية من حيث المقرات الادارية أو السياحية ثم تقوية البنية الأمنية والجاهزية، كما ستتاح للكثير من أعضاء الحكومة إمكانية الاطلاع على جوانب من حياة ووضعية المدينة مما سيخلق رؤية متكاملة لدى الفريق الحكومي ستكون مهمة في القرارات المتعلقة بالمدينة ..إنه أمر سيلقي بظلاله على الولاية بشكل عام، ثانيا ستكون هناك أهدافا تنموية تتعلق بالزراعة ودعم النشاط الزراعي …كما يبعث هذا الاجتماع بعدة رسائل داخلية وخارجية تتعلق بالجاهزية الأمنية الدولة واهتمام الرئيس بالتنمية الحضرية للمدن الداخلية، فبالاضافة لتشييد مقرات المجالس الجهوية وتخصيص ثلاث مليارات لكل مدينة من المدن التاريخية لتنميتها خلال دورة مهرجان المدن التاريخية، يعلن أيضا هذا التوجه الذي يلقي بظلال كبيرة على تنمية قطاعات بعينها وعلى التنمية الحضرية لبعض مدننا الداخلية …إنها خطوة مهمة في الطريق الذي يسلكه غزواني والذي ينطلق من دعم البنية الاجتماعية من التركيز على التنمية الاجتماعية ويبقى للأمر طعم سياسي آخر، فهل يريد غزواني توطيد علاقة سياسية خاصة مع منطقة اترارزة وتحضيرها للعب دور سياسي بارز يكون هذا الاجتماع هو عربونه وبمثابة الاعلان السياسي لانطلاق الحملة السياسية المقبلة للنواب أو للرئيس …

 

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار

 

 

 

1 February 2023