ماذا خلف “دستور” الداخلية الخاص؟

سمعت من الرئيس محمد ولد الغزواني مرات عديدة في لقاءات مباشرة معه في مكتبه الرئاسي طرحا نموذجيا يمثل رؤيته للإصلاح الديمقراطي ؛ وكشف لي دوافع ومحتوى لقاءاته مع قيادات المعارضة جميعا سعيا لتوحيد الجبهة السياسية الداخلية موالاة ومعارضة على المشترك الوطني.
وقد بدا الأمر إيجابيا بعد عشرية سياسية لعبت بالطيف السياسي الوطني وبعثرته وأساءت إليه .
وأتذكر أني عبرت عن عدم ثقتي في نيات بعض ذلك الطيف الابتزازي الانتهازي ؛ وحدث ماتوقعت.
ولقد عارضت فكرة الحوار أو التشاور الذي كان جاريا حينها لأنني على يقين أن بعض المشاركين فيه حضر بنية إفشاله؛ وحدث ذلك.
ثم برز شكل من التنسيق الحزبي مع وزارة الداخلية ؛ وبدا هو الآخر معقولا ؛فلم يكن الإجماع مطلوبا في التواقف على صورة مناسبة للانتخابات ؛ فالإجماع شرط من شروط الفشل ؛ المهم أن تكون هناك أغلبية موافقة على الحد الأدنى المقبول لإخراج صورة معقولة للديمقراطية الموريتانية.
كانت مقترحات حزب الإصلاح ممتازة ؛ وقد وضعت لتحل عقدا جدية سلبية في العملية الديمقراطية ؛ ومنها مقترح بلوائح موحدة للأحزاب ؛ تجعل من كل ولاية دائرة انتخابية ؛ يحصل الحزب الأكثر تصويتا لصالحه على لوائحها الجهوية والبلدية والنيابية ؛ أو تشترك أحزاب معينة فيما فيه نسبية منها حسب الأصوات المعبرة عنها
وذلك للتغلب على سلبيات كثيرة ؛ ورفضت أحزاب عديدة المقترح.
ويبدو أن متغيرات كثيرة فرضتها وزارة الداخلية دون تشاور أو سعت للتأثير بها في العملية الانتخابية دون أي تشاور أومرجعية دستورية أوقانونية ؛ كمنع بعض أبناء وبنات الشخصيات البارزة في الجيش والأمن من الترشح دون وجه قانوني ؛ وكأن وزير الداخلية يصدر حكما قضائيا نهائيا نيابة عن السلطة القضائية يسلب فيه الحقوق المدنية لشريحة مميزة من أبناء الوطن !
ثم تتالت المفاجآت بالطلب الرسمي من أحزاب الموالاة التنازل عن الترشيح في دوائر انواكشوط لصالح حزب الإنصاف ؛ وهو مطلب تم رفضه ؛ على الأقل من حزب الإصلاح.
ثم تم الإلحاح رسميا ومن جهة عليا ليتنازل حزب الإصلاح عن رأس اللائحة لائحة بلدية تفرغ زينه ليتم ذلك .
ثم جاء طلب وزير الداخلية من جميع أحزاب الموالاة التراجع عن الترشيحات التي تمت للوائح الجهوية في عموم الوطن وتركها لحزب الإنصاف !
طلب رفضه حزب الإصلاح فورا.
وكأن وزير الداخلية قرر حلا جزئيا للأحزاب !
كل ذلك جرى في ظل تسجيل “تجاري” للناخبين بنفس الطريقة القديمة التي تستغل فقر وجهل أغلب الناخبين الموريتانيين.
كما أن مخرجات ترشيحات الإنصاف كانت القاصمة لثقة الشعب في حزب الإنصاف وفي النظام إلى حد كبير ؛ وجاءت قبلية شرائحية تفرض “دستور” محاصصة لونية تناقض دستورنا دستور دولة المواطنة.
وقد لاحظنا كمراقبين وفاعلين في الميدان كثيرا من عدم العدالة في أداء سيني ولجانها ومكاتبها ؛ وتفاوت طرق التسجيل الانتخابي الطيار.
فلماذا كل هذا الارتباك السياسي والتخبط؟
وكيف نربط كل هذه المعطيات ونستنتج منها ؟
البعض يعطي هذا الأداء المرتبك زخما تكتيكيا مقصودا ؛ وبعض آخر يرى أنه مجرد تخبط وعدم خبرة سياسية.
لكن البصمات الواضحة للكادحين والإسلامويين بارزة فيه.
ولايمكن اعتبار منع ترشح بنات وأبناء الجنرالات مؤشر تمهيد لإقصاء الجيش عن السياسة ؛ فلم تنضج أي نخبة مدنية لتولي قيادة البلد ؛ وليس هذا الوقت المناسب لإرسال رسائل سلبية لأهم قوة صلبة تحمي البلاد والنظام نفسه من الذوبان كفص ملح في مياه بلدنا السياسية الآسنة.
ولعل التخطيط لمابعد غزواني جزء من هموم كتلة الصراع المغلقة حوله ؛ ولايبدو التمهيد لرئيس مدني مابعد غزواني خيارا سليما ؛ فسيكون نسخة أخرى من الرئيس الأسبق الفاضل سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله.
وعلى الرئيس غزواني عبور انتخابات 2024 الرئاسية أولا ؛ التي لن تكون سهلة إذا وصل موعدها الدستوري بحكومته الحالية وفريقه سيئ الأداء ؛
وأسوأ أداء حتى الآن هو من حصة وزير الداخلية نفسه .
ولكل تلك الأسباب أعلنت قطع كل صلة بالعملية السياسية الدائرة الآن
وبحزب الإصلاح نفسه الذي احتفظ بعلاقة خاصة وراسخة مع رئيسه: الشخصية الوطنية الجاده والربانية والصادقة الأخ محمد ولد طالبن.
مركز دعم صناعة القرار
الرئيس عبد الله ولدبونا
