مقترح: آلية التحكم في أسعار المواد الأساسية
في علم الاقتصاد يتحدد السعر بناءا على التوازن بين العرض و الطلب، وهذا التوازن في النظام الرأس مالي، من المفترض أن يكون تلقائيا، متروكا لميكانزمات السوق، بعيدا عن تدخل الدولة.
و في سعي المد الرأسمالي إلى الهيمنة على الاقتصاد العالمي، أخضعت جل بلدان العالم الثالث لمعاهدات واتفاقيات مع البنك الدولي ومع الدول الرأسمالية المتنفذة على صعيد الاقتصاد العالمي، لتبني النظام الرأسمالي، و إشترطت مساعداتها و الإقراض الدولي و التعامل معها بالإلتزام بمبادى اللبرالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي، و بالخصوص، مبدأ حرية السوق و حياد الدولة.
قيود و تحديات جعلت القائمين على الشأن العام بخاصة في بلدان العالم الثالث، أمام هامش بسيط من المناورة لتحقيق معدل توازن أسعار في متناول جميع المواطنين.
يتطلب التحكم في أسعار المواد الأساسية، الإلمام الكبير بكل التحديات السابقة، و بالأدوات المتاحة التي تمكن من التأثير على الأسعار و من أهم هذه الأدوات، العمل على زيادة العرض، و إحلال المواد الأساسية المنتوجة محليا مكان المواد الأساسية المستوردة، و الرفع من مستوى الدخل الفردي، و وضع سياسة ضريبية و نقدية تفضيلية لصالح المواد المستهدفة، و مراجعة سعر المحروقات، و وضع استراتجية وطنية للإستفادة من دور المنظمات الغير حكومية الوطنية و الأجنبية و تنمية روح الإنفاق لوجه الله على الضعفاء والفقراء... أدوات أساسية من بين أخرى، لها الدور الفعال في تثبيت نقطة توازن أسعار المواد الأساسية في الحدود المطلوبة، وسيتم تناولها بشيئ من الإيجاز لتوضيح تأثيرها على معادلة الأسعار:
1 - العمل على زيادة العرض:
من الممكن زيادة المعروض من السلع الإستهلاكية الضرورية من خلال التوزيعات المجانية لمفوضية الأمن الغذائي، و وكالة تآزر و منظمات المجتمع المدني الوطنية و الأجنبية و المنافسة على شراء المنتوج المحلي من هذه المواد و إعادة توزيعه مجانا أو بيعه بأسعار ميسرة لصالح الطبقات الهشة؛
2- إحلال المواد الأساسية المنتوجة محليا مكان المواد الأساسية المستوردة:
تعد موريتانيا سلة غذاء غرب افريقيا، بما تملك من أراضي زراعية خصبة واقعة على طول النهر السنيغالي و تفريعاته الطبيعة ( حدود 700 كلم )، و إلى حد الساعة، فإن الزراعة في موريتانيا بدائية، و تقتصر على زراعة الأرز رغم الإنفاق الحكومي الضخم الذي تم ضخه في هذا القطاع. و من أجل زيادة المنتوجات الزراعية الأساسية ( الأرز، القمح، الشعير، الخضروات...)، يجب تيسير القروض الزراعة، و تعبئة رأس المال المحلي و الأجنبي، لصالح زراعة هذه المواد الأساسية، و دعم شراء البذور المحسنة و السماد، و إنشاء مؤسسة تسويقية تضمن للمزارع شراء منتوجه، و تعمل على تثمينه، و إعادة تسويقه محليا و دوليا بما يضمن توازن السعر في حدود متناول الجميع، والإستغناء عن المستورد من هذه المواد الأساسية بصفة متدرجة، و إعادة تصدير الفائض بهدف ضمان زيادة دخل المُنتًج والحصول على المزيد من العملة الصعبة؛
3- الرفع من مستوى الدخل الفردي:
لمواجهة الغلاء في الأسعار، من المناسب العمل على زيادة كتلة الرواتب، و العمل على زيادة الوظائف و الوقوف على وضعية عمال القطاع الخاص لضمان إحترام الراتب القاعدي، و ولوج العمال لخدمات الضمان الصحي و الضمان الاجتماعي، و وضع سياسة عامة لاستيعاب العاطلين عن العمل في القطاعين العام والخاص، و الرفع من أداء مسدي الخدمات بشكل عام من خلال التكوين و التدريب وتبادل الخبرات مع الدول الأكثر تقدما منا، بما يضمن جودة في الأداء و زيادة في الدخل؛
4- إعتماد سياسة نقدية وضريبة تفضيلية:
إن عاملي سعر الصرف و الضرائب مهمان في معادلة الأسعار، و تتفاعل الأسعار معهم بشكل طردي، مما يعني أن سياسة نقدية وضريبة تفضيلية لصالح المواد الأساسية، أساسها الوضوح في الشروط و الصرامة في التنفيذ ستنجح عنها نتائج إجابية لصالح التحكم في السعر المطلوب للمواد الأساسية؛
5- مراجعة سعر المحروقات:
سعر النقل عنصر أساسي من عناصر تكاليف البضاعة، و العمل على مساهمة الدولة في تكلفة المحروقات سيساهم في تخفيض السعر بشكل يتناسب وحجم التخفيض الحاصل على سعر المحروقات، و يعد عامل سعر المحروقات من الأدوات المهمة في الوصول إلى هدف سعر للمواد الأساسية يتناسب و دخل جميع فئات المجتمع؛
6- الاستفادة من دور المجتمع المدني و فاعلي الخير:
يمكن الحصول على إحصائية شاملة للمتدخلين في تخفيف ضغط الغلاء على فئات الفقراء، و تصنيف كل منظمة أو فرد على أساس الفعالية، و معرفة حجم المساهمة، وماذا يغطي حجم إنفاق هذه الفئة من الطلب الإجمالي على السلع الضرورية، و العمل على تحفيز المنظمات و المتدخلين في المجال حتى نضمن الاستمرارية و زيادة كتلة إنفاقهم على الطبقات الضعيفة.
يتطلب العمل بهذه الأدوات، حتى تحقق هدف توازن أسعار المواد الأساسية في حدود دخل الفئات الهشة، تبني جملة من الإجراءات التنظيمية و الإدارية، نذكر منها:
١- الوصاية الإدارية على آلية التحكم في أسعار المواد الأساسية:
جهة الوصاية الادارية، من المفروض أن تكون مؤسسة الرئاسة، لأن هذه الخطوة تكسب الهيئة أهمية كبيرة و تحملها مسؤولية جسيمة، و في ذات الوقت يشعر المواطن أن أمن غذائه تتم متابعته بشكل مباشر من طرف أعلى الهرم الإداري فخامة رئيس الجمهورية؛
٢- إعتماد هيكلة إدارية تتناسب و طبيعة الهدف:
الهيكلة الإدارية لآلية التحكم في أسعار المواد الأساسية، من الضروري أن تكون تستجيب لمتطلبات العمل التي تمكن من الوصول إلى توازن أسعار المواد الاساسية عند مستوى دخل الفئات الهشة، ومن الضروري أن تكون الإدارات المركزية والمصالح الحيوية التابعة للآلية، عبارة عن جهة متابعة وتقييم و رقابة لعمل الأدوات السابقة الذكر، و تقدم تقارير دورية يتم من خلالها تقيم العمل و مراقبة تفاعل الأسعار مع الإستراتيجية المطبقة؛
٣- إختيار طاقم إداري مناسب:
يجب أن يتم إختيار طاقم على أساس الكفاءة و التجربة، و من شروط الفريق أن تكون لهم خلفية اقتصادية و تجربة في العمل واسعة لا تقل عن عشر سنوات، و لم تلطخ أيديهم بسرقة المال العمومي؛
٤- الصلاحيات:
ينقسم عمل آلية التحكم في أسعار المواد الأساسية بين عمل مباشر، و تنسيق بين القطاعات الحكومية ذات الصلة بتحقيق هدف توازن الأسعار، و هيئات المجتمع المدني و الفاعلين الخيرين، وهذا يتطلب صلاحيات واسعة، و الثقة التامة، التي تمكن جميع الشركاء من الإنسجام و التعاطي مع الآلية.
و الله من وراء القصد.
د محمد الأمين شريف أحمد.