ليبيريا.. فوز بواكاي بالرئاسة واعتراف ويا بالهزيمة
في خطوة أثارت انتباه الكثير من المتابعين لشؤون القارة الإفريقية، اختار الليبيريون زعيم المعارضة جوزيف بواكاي رئيسا للبلاد، خلال الجولة الثانية التي نافس فيها أسطورة كرة القدم السابق جورج ويا، الذي حكم البلاد 6 سنوات، ويسمح له الدستور بالترشح لولاية ثانية.
لكن الأكثر إثارة للانتباه في تجربة ليبيريا حديثة العهد بالديمقراطية، هي “الروح الرياضية” التي أبداها جورج ويا، حين بادر إلى الاعتراف بالخسارة، وقال إن بلاده هي الرابح الأكبر.
فرغم أن ما يفصل بين بواكي وويا يعتبر طفيفا جدا، وكان بالإمكان على غرار تجارب أخرى في القارة أن يحاول الالتفاف على النتائج بأي طريقة، إلا أن جورج لم يتردد في الاعتراف بالهزيمة وهاتف خصمه لتهنئته بالفوز.
وتشكل خطوة ويا هذه، استمرارا للمسار الديمقراطي للبلاد، فقبله أبت المرأة الحديدية إيلين جونسون سيرليف، التي تعد أول امرأة تنتخب رئيسة لدولة إفريقية، أن تعدل الدستور وتترشح لولاية ثالثة، حيث تركت السلطة بعد انتهاء ولايتها الثانية، وسلمتها للرئيس الفائز حينها الخاسر الآن جورج ويا.
وتؤشر هذه الخطوات المتوالية، على أن المستعمرة الأمريكية السابقة، الحاصلة على استقلالها قبل أزيد من قرن و7 عقود، قد قطعت خطوة هامة نحو تكريس الممارسة الديمقراطية.
صحيح أنه لم تمض بعد سوى 20 سنة، على الحربين الأهليتين اللتين خلفتا ربع مليون قتيل ليبيري، فضلا عن كلفة باهظة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ولكن البلاد الآن بصدد دخول مرحلة جديدة من حكم ثالث رئيس مدني منتخب، وفي ظل استقرار سياسي واجتماعي.
ولا شك أن الأوضاع الدولية المرتبطة بتداعيات جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، والتي انعكست على ليبيريا في ارتفاع الأسعار، ونقص الأمن الغذائي، واتساع صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشريحة واسعة من السكان، وكان تجاوب النظام معها ضعيفا، أسهمت جميعها في إخفاق جورج ويا في الفوز بولاية ثانية.
تنضاف إلى ذلك، حملة الانتقادات الواسعة التي خاضتها المعارضة ضد ويا، معتبرة أن فترة حكمه شهدت استشراء “الفساد” و”سوء الإدارة”.
وفي ظل هذا الوضع، كان بواكاي المطل على العقد الثامن من العمر، البديل الأنسب بالنسبة للناخبين الليبيريين لتجربته الطويلة، حيث شغل 12 سنة نائبا للرئيسة “ماما إيلين” كما كانوا يطلقون عليها، وقبلها عمل وزيرا في ظل حكم سامويل دو، ونافس جورج ويا في الانتخابات السابقة، وظل طيلة 6 سنوات من أبرز معارضيه.
وبغض النظر عن فرص نجاح جوزيف بواكي في الوفاء بتعهداته بشأن تحسين البنيات التحتية، والاستثمار في الفلاحة، وجذب المستثمرين، وانفتاح البلاد أمام السياحة، وتعزيز الصمود في وجه أي محاولة للانقسام وتقويض جهود السلام، فإن تجربة ليبيريا الآن تحيل إلى تجارب مماثلة حصلت في بعض الدول الإفريقية الأنغلوفونية.
ففي غانا مثلا وهي مستعمرة بريطانية سابقة، اختار الناخبون الرئيس الحالي نانا أكوفو أدو عام 2016 وكان حينها زعيما للمعارضة الرئيسية في البلاد، عوضا عن الرئيس السابق جون ماهاما، الذي كان يتنافس بحثا عن ولاية ثانية، وذلك لأسباب منها تباطؤ النمو الاقتصادي في البلاد منذ توليه السلطة، وتراجع الأسعار العالمية لسلع تصدرها غانا كالذهب والنفط والكاكاو، في حين أنها ظلت مرتفعة في البلاد.
وبالإضافة إلى ليبيريا وغانا، فإن معظم المستعمرات الأنغلوفونية السابقة تعيش استقرارا سياسيا، ومن النادر أن تحصل فيها انقلابات عسكرية.
وفي مقابل ذلك تتوالى الانقلابات في المستعمرات الفرنسية السابقة، أحدث النماذج على ذلك ما حصل في مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري، والنيجر، والغابون، رغم أن بعض المستعمرات الفرانكفونية يعد نموذجا في الديمقراطية كما هو حال السنغال.