هل ستكون هناك مقاربة جديدة للحكم خلال المامورية الثانية لغزواني؟
إن البلد اليوم يجتاز مرحلة حرجة من الفقر وتراجع المستوى المعيشي وزيادة الهشاشة، فجميع المواد التي تمثل أساس القوت اليومي للمواطن عرفت ارتفاعا في الأسعار، بعضه جنوني. وهكذا أصبحت أولوية الاولويات هي تأمين القوت اليومي للمواطنين، وهكذا يجب ان يكون شعار الرئيس هو تأمين القوت لكل مواطن، وهكذا يجب أن تخرج المواد الأساسية في السلسلة الغذائية للمواطن عن طور المزايدات وسيطرة التجار، فبالنسبة للقمح والأرز والحليب والمحروقات (البنزين والمازوت ) والدجاج والزيت والسكر والمعجنات الغذائية والشِّگة وغاز البيتان ،(وغاز الملحف)، ونعل الرَيّ والاسمنت وآدلگان (الفاصوليا )واللحوم والسمك والخضروات، هذه المواد السبعة عشر هي أساس قوت المواطن اليومي وللفقير بالدرجة الأولى، وبالتالي يجب أن تخضع لسياسة خاصة من طرف الدولة، خاصة بالنسبة للرئيس غزواني الذي يضع في سلم أولوياته الشعب، وبصفة أساسية الطبقات المسحوقة والهشة. وهكذا يجب أن تخضع لاستراتيجية وطنية تديرها الدولة ،فقد أنشأ المختار- رحمة الله عليه- شركة سونمكس بعد الاستقلال مباشرة لتأمين وصول هذه المواد خاصة السكر والارز والخنط والورگة إلى كافة التراب الوطني أولا ،وكانت تحمل في الطائرة عند انقطاع الطريق بسبب السيول ، ثم بسعر في متناول الناس. هذه المهمة الأساسية يجب أن لا تتوقف لأن الشعب مازال في نفس عتبة الفقر والانقطاع من الدولة في الكثير من مناطقه، وبالتالي يظل في أمس الحاجة لتلك المهمة الرحيمة التي تقوم بها الدولة ،فمستويات الفقر والبطالة والاتكالية ما تزال مرتفعة، ينضاف إلى ذلك تحرير سعر الصرف وضعف الرواتب وضعف الدخل والضمان الاجتماعي والقوة الشرائية. إن الشعب لم يشبّ عن الطوق بعدُ، ولذلك ما زالت مهمة الدولة التي نشأت معها، والمتمثلة في توفير المواد الاساسية، ضرورية للشعب حتى وأن عالم اليوم تجاوز ذلك في الكثير منه بسبب سياسات البنك الدولي .هناك خيارات ومقاربات في ضمان توفير هذه المواد بأسعار في متناول الناس تبدأ بالتنظيم وفرض شروط محددة على استيرادها أو تخضع لنفس طريق توريد المحروقات كما في مصر بالنسبة للقمح وهي مقاربة لدى كثير من الدول لحماية المواطن خاصة عندما تكون الدولة في وضع اقتصادي يمنعها من تنفيذ خطط تنموية واسعة تزيد دخل الفرد وتوفر العمل للجميع وتملك بنية اقتصادية قوية . أما المقاربة الثانية فهي تحديد سقف سعر هذه المواد وتخفيف الضرائب عليها أو رفعها عنها وتنظيمها تنظيما محكما ودعم عملية نقلها وبناء مخازن تجميعية ضخمة لها في الولايات و منع المضاربة بها بشكل صارم يعاقب عليه القانون بأشد العقوبة ، ودعم الفلاحة خاصة القمح والزيت والفاصوليا والخضروات و تنمية المواشي بالطريقة الحديثة من خلال مشاريع التسمين وتكثير الحليب وإنشاء صناعات مرتبطة بذلك مثل التعليب والتصنيع (صناعة الزبدة والجبنة ومشتقات الحليب) .
هذه هي الاستراتيجية الرئيسية التي يجب أن يقوم عليها برنامج غزواني بعد أصبحت الأمور أوضح له من ذي قبل وصار يعرف وضع الشعب والدولة بشكل عميق .للأسف، منذ الاستقلال لم تتطور دولتنا لتغير أوضاع الناس وظروفهم المعيشية ولم يتم بناء أي تجربة جوهرية في المجال، فما زالت طريقة عيشهم تتسم بالفقر والتخلف وعدم العمل والانتاج ومازال الكثير من مواطنينا بحاجة لتأمين وجبة واحدة خلال اليوم في الكثير من المناطق، وما تزال كل أسرة تعيل شبابها بنسبة مرتفعة جدا بسبب البطالة، وما تزال العقليات البالية هي التي تسيطر على المجتمع، فلم تقم الدولة بأي مجهود لتغيير الأوضاع أو محو تلك العقليات، وبالتالي فإن الدور الاجتماعي يظل هو الأولوية بالنسبة لأي رئيس وطني، لكن هذه المرة يجب التفكير في برنامج أكبر من تآزر ينظم حالة المعاش بصفة عامة وبرنامج اقتصادي ينقل المجتمع من هذه الوضعية خاصة مع حجم التفاؤل الكبير المرتبط باستخراج الغاز وزراعة الأرض الموريتانية بموارد الطاقة الخضراء .
العالم تطور من دون الموارد ومن دون المواد الأولية كما في آسيا وفي الكثير من البلدان التي نهضت، فقد ارتبط نهوضها بالتنظيم وبالعقول وبالحكامة. إنه في مقدورنا فعل ذلك فقط مع إرادة سياسية قوية .
إن الناس ما تزال تتفاءل بأن مأمورية غزواني الثانية ستختلف عن الأولى وذلك بناء على طموحه الشخصي للبلد وفي صدق نيته رغم تزايد الرهانات الكبرى عليه مما سيفرضه، من دون شك، على تغيير دوالب الدولة .
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار