عبد الصادق بن عيسى: حين تشرق من المغرب ثم تغيب!! تكبر عبدالسلام وداد
هاربون : يعيشون حياة عادية، ينصهرون في المجتمعات، يذوبون، و على مدى سنوات يظلون يحملون أسرارهم ، هي أسرار رهيبة ، ذكريات لا تغمض لها جفونهم، يبرعون في التمويه، يتخذون هويات زائفة ، يتخفون، ثم يأتي يوم تنكشف فيه الأسرار و تسقط الأقنعة و يقعون في قبضة العدالة.
هاربون: قصص مستوحاة من الواقع، كتبها و يقدمها عبد الصادق بن عيسى.
مقدمة حفظتها كل الآذان التي كانت تتحلق حول المذياع متأهبة لما بعدها، صوت مجلجل يمخر عباب الموجات الإذاعية ليصل عبر أثير إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية “ميدي 1”.
ربما لم يعرف كثيرون عن عبد الصادق غير اسمه، لكن صوته أكمل خانة المعلومات في أذهان المستمعين، وكَفى عن كل تعريف آخر ما عدا كونه بن عيسى: مقدم "هاربون" ، "ملفات بوليسية" "مهمشون" ، " وجوه من الظل"، "لحظات من التاريخ"، برامج ارتفع معها مدُّ موجات "ميدي 1" من المحيط حتى الخليج، ليُّغرق فضول المستمعين بقصص بوليسية ما انفكت تجذب أذهانهم لقاع العقدة قبل أن ترفعها لسطح الحل.
ولد عبد الصادق بن عيسى في المغرب سنة 1961، وبدأ تجربته المهنية مبكرا عام 1981 من خلال إذاعة "ميدي 1" الوليدة حينها، و كانت القفزة الحقيقية في مشواره عام 2010 مع برنامجه "ملفات بوليسية"، و الذي اعتمد في كتابته على مذكرات عميد الشرطة المتقاعد "عبد اللطيف بوحموش"، والمؤلَّفة على ضوء قصص و قضايا كان هذا الأخير شاهدا عليها.
محض نص مقروء لكنه بأسلوب عبد الصادق المتفرد في الكتابة و طريقته الآسرة في السرد و التصوير الكتابي و بصوته المتميز يجعلك تعيش معه أحداث القصة و كأنك داخلها بالفعل، شاهد عيان ترى و تسمع، بل و أحيانا قد تتلبسُك حالة اندماج لا إرادي في الأحداث، فتُنصِّب نفسك طرفا فيها، وترسم للسيناريو في ذهنك مسارات غير تلك التي يسردها المذيع.
توالت برامج بن عيسى و في كل مرة كان النجاح ثالث اثنين اختليَا يبدعان لسنوات خلف ميكروفون ميدي1 ، هما قلم عبد الصادق بن عيسى الفريد و صوته المتميز.
قدم إلى جانب برامجه عبر أثير "ميدي 1" نشرات الأخبار وعمل رئيسا للتحرير، كما علق على أفلام وثائقية بقناة ميدي1 سات، وطوال مسيرته المهنية ظل بن عيسى وفيا لإذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية، ولربما كان منشأ هذا التعلق اشتراك البدايات.
مساء السادس والعشرين من أيار/مايو 2024 غابت شمس كانت تشرق من المغرب بوفاة عبد الصادق بن عيسى، لكن بقي من شفقها ذكريات لن تغيب من أذهان مستمعيه، إنتاج صوتي فريد خلَّد من خلاله كتاباته الموغلة في عمقَيْ إحكام الحبك وإبداع التصوير والسرد.