المرشح سومارى: لا سبيل إلى التنمية دون حل مشكل الوحدة الوطنية
قال المرشح للانتخابات الرئاسية أوتوما سوماري، إنه منذ وصوله لموريتانيا يعمل من أجل الوحدة الوطنية.
وأضاف في حوار صحفي "منذ عودتي إلى البلاد بعد انتهاء دراستي خارج البلاد، منحت كل قوّتي من أجل العمل الجاد من أجل الوحدة الوطنية، بل يمكن القول إنني أضفت الوحدة الوطنية إلى تخصصي، وأعرف أنه لا سبيل إلى التنمية دون حل مشكل الوحدة الوطنية".
وتاليا نص الحوار:
محمد جوب من وكالة الأخبار: مرحبا بكل من يتابعنا على منصاتنا سواء عبر موقع الأخبار أو على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا ثالث عدد ضمن "حوار الأخبار" المخصص لرئاسيات يونيو 2024.
اليوم نستقبل المترشح سوماري أوتوما عن تحالف جيل التناوب، ستكون هذه فرصة للمترشح للحديث للرأي العام الموريتاني من أجل إطلاعه على تفاصيل برنامجه.
ويسعدني أن أتقاسم هذا الحوار مع ثلاثة من زملائي هم سيدي محمد ولد بلعمش من موقع مراسلون، وبابكر با انجاي من اكريدم، ونور الدين مولود صحفي مستقل.
السيد سوماري شكرا جزيلا على تشريفنا بالمشاركة، وقبول الرد على أسئلتنا.
قبل طرح السؤال الأول أشير إلى أن الحوار من ثلاثين دقيقة، وستكون فيه الأسئلة دورية وبالتناوب بيني وبين زملائي.
محمد جوب (الأخبار): بداية إذا سؤالي الأول كيف تقدمون أنفسكم وبرنامجكم؟
سوماري: شكرا على إتاحة الفرصة للحديث، ومنح الرأي العام فرصة التعرف علي كمرشح انتخابي، أنا معروف أكثر في مجالات أخرى، ومارست السياسة منذ أكثر من 15 سنة، ولكن على مستوى الانتخابات الرئاسية هذه المرة الأولى التي أترشح فيها.
أنا ابن لهذا البلد، أتيحت لي فرصة الدراسة في الخارج، وكانت المدرسة حينها أكثر تكوينا منها الآن. لقد حصلت على منحة لدراسة الطب في فرنسا وقضيت 15 سنة هناك، حيث تخصصت في الجراحة العصبية، وعملت 4 سنوات كأستاذ مساعد، بعدها عدت إلى موريتانيا.
لم يكن الطريق أمامي مفروشا بالبساط الأحمر، وهنا أدركت أن دوري لا يتجاوز ممارسة التطبيب، ولكن اكتشفت أيضا أن هناك مجالات أخرى، وأنه لكي تكون طبيبا يجب أن تكون لك قبعات مختلفة، من أجل ممارسة فضلى لمهنتك.
لقد وجدت صعوبة في ولوج الوظيفة العمومية، والتدريس بكلية الطب، وقد أتاح لي كل ذلك فهما عميقا للأمور بعيدا عن السطحية والتسرع، والإحباط.
لقد حظيت بعناية الله التي منحتني الذهاب بعيدا عن كل المظاهر التي تطفو على السطح، وسمحت لي بمحاولة تجاوز العراقيل التي أعاقتني في أن أصبح طبيبا في بلدي، وأستاذا في بلدي كذلك، في حين أنني كنت طبيبا وأستاذا في فرنسا.
لقد كان الأمر صادما. لكن هذه الصدمة العاطفية خدمتني في تجاوز كل ذلك، وفي أن أشق طريقي لأصبح جراحا، وأستاذا بكلية الطب، وأن أقبل كذلك في الوظيفة الإدارية من خلال مشروع نجحت في جلبه معي، وقد كان الأمر صادما أيضا في البداية لأن الدولة لم ترافقني فيه، ولكنني نجحت في تعبئة ذوي النيات الحسنة في موريتانيا.
وحين نجحنا في توحيد شيء ما، جاء التقدير من الدولة، ورافقتني لفترتين تشريعيتين وإلى الآن والحمد لله.
إنني فخور بمساري، وأدرك جيدا أن هذا المسار ما كان ليكون، لولا أنني امتلكت أدوات سياسية.
- محمد جوب من وكالة الأخبار: شكرا وأنتم اليوم تترشحون للرئاسة ما هو مضمون برنامجكم؟ وما المحاور الكبرى التي يمكن تقديمها في هذا الإطار؟
سوماري: بناء على تجربتي الشخصية، ومعارفي قررت الترشح، وكما تعلمون فإن السياسة لا تدرس بكليات الطب، كما ليست هناك شهادة، وإنما مجموعة قدرات ومواهب، هناك من ترافقه منذ الصغر، وهناك من يعمل على اكتسابها، وأنا واحد من أولئك الذين عملوا على تطوير قدراتهم السياسية.
إن السياسة لم تكن توجهي الأولوي، وإنما رأيت فيها توجها مفيدا كما شرحت لكم، وفي تقديري أن هذه الإفادة لا يجب أن تتوقف عند الحدود الشخصية والمسار الشخصي، وإنما يجب أن تكون في خدمة الأمة، وانطلاقا من ذلك جاء التزامي للمشاركة في هذا التنافس الانتخابي.
إن تجربتي في الأحزاب التاريخية للمعارضة منذ الانقلاب على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، أدركت من خلالها الكثير، وقد كنت عضوا، في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات من 2005 إلى 2007 إبان المرحلة الانتقالية التي فتحت حينها الكثير من الأمل، لقد أدركت إذا حين حصل الانقلاب العسكري أن هناك مشكلة ما، وقررت الانخراط في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، وكنت رئيسا للجنة الكوادر والأطر في الجبهة.
لقد تعلمت الكثير إلى جانب اتحاد قوى التقدم، والتحالف الشعبي التقدمي، وتكتل القوى الديمقراطية، كما تعلمت من النقابيين، ومن منظمات المجتمع المدني، ومن الكثيرين ممن كانوا يلتحقون بنا أسبوعيا في المظاهرات التي تجوب الشوارع، واستمرت عدة أشهر إلى أن تم فرض التوصل لاتفاق كنت أيضا من المشاركين فيه، وتعلمت بالمناسبة أن السياسة لا مستحيل فيها.
سيدي محمد بلعمش (مراسلون): هنالك أزمة أحداث 1989، وقد عولجت هذه القضية عدة معالجات، لكن البعض غير راض عن تلك المعالجة، فما هو تصوركم لحل هذه الأزمة بما يضمن حصول الضحايا على حقوقهم، ويطوي الملف بعد ذلك، ثم أيضا ما هو موقفكم فيما يتعلق ببقايا الرق وآثاره، وأيضا ماهو موقفكم من قضية اللغات الوطنية، بعد أن كانت تكتب بالحرف العربي، وهل تنوب الفرنسية عن اللغات الوطنية، ولماذا تكون الفرنسية لغة اتصال بيننا، بينما لا نتواصل باللغة العربية ولا اللغات الوطنية؟
سوماري: إذا اعتقد الموريتانيون أن ما حدث سنة 1989 وما بعدها يعني سكان الضفة فقط، وأن الرق يعني ضحاياه وأبناؤهم فقط، فنحن نرسخ المشكل ولا نبحث عن حل له.
منذ عودتي إلى البلاد بعد انتهاء دراستي خارج البلاد، منحت كل قوتي من أجل العمل الجاد من أجل الوحدة الوطنية، بل يمكن القول إنني أضفت الوحدة الوطنية إلى تخصصي، وأعرف أنه لا سبيل إلى التنمية دون حلّ مشكل الوحدة الوطنية.
إن وجود حالة واحدة من الاسترقاق هو مشكلة خطيرة، وينبغي أن يعمل الجميع من أجل تحريرها، أما إذا حصرنا القضايا الوطنية في أعراق ضحاياها، أو حاملي لواء الدفاع عنها، فسنظل في أزمات، إلا أن الدولة العميقة تريد أن يظل هذا المنطق سائدا، لكي تظل كل فئة أو جهة تخاف من الأخرى.
وإذا تجاوزنا الدولة العميقة بما تملك من حكومة وشرطة وأمن، فإن الشعب الموريتاني لن تكون له أي مشكلة في تعايشه.
سيدي محمد بلعمش (مراسلون): وما الحل في رأيك؟
سوماري: ينبغي أن ينطلق الحل، المماطلة لن تزيد الأمر غير تعقيد، الحل هو الجمهورية، ودولة القانون والعدالة، إن كل من يرتكب خطأ تجاه الوحدة الوطنية عليه أن يواجه العقوبات التي ينص عليها القانون.
علي أن أقول بوضوح وأؤكد أن الوحدة الوطنية في النهاية مشكلتنا جميعا، وليست أزمة خاصة بالأرقاء السابقين ، ولا سكان الضفة بوحدهم، وإنما تهم كل الموريتانيين، وأن حلها يتم من خلال دولة قانون قوية.
بابكر انجاي (كريدم): مرحبا السيد سوماري... كيف تمولون حملتكم الانتخابية؟
سوماري: في الوقت الحالي تواجهني الكثير من الصعوبات من أجل تمويل حملتي الانتخابية. الحل الأول بالنسبة لي هو العقلنة، والدعوة إلى مساهمة من يساندونني ويقفون إلى جانبي، ثم إنه لحد الآن ليست لدي الكثير من النفقات، لقد تمكنت على مستوى محيطي من تعبئة 5 ملايين أوقية كضمانة لدى الخزينة العامة، كما أن مهرجان الأمس (إعلان الترشح في دار الشباب قبل افتتاح الحملة) كلّف نحو 4 ملايين أوقية، وهذه عموما مبالغ في المتناول.
ولكن في الواقع الأمر يطرح إشكالا، لأن القنوات المعتاد أن تموِّل الحملات الانتخابية، وليست لي حاجة هنا في ذكرها، غير عادلة، فالبعض لديهم إمكانية الولوج إلى تمويل ذي أهمية كبيرة، ويحصل على الكثير من التسهيلات، فيما آخرون مجبرون على البحث، ولا يعرفون ما يفعلون، وهذا يبطِّئ سيرنا، لأننا نسابق من يملك قدرات هائلة، ويحصل على موارد مالية لا تتاح لغيره.
ولكن هذا جزء من اللعبة، ويتعلق الأمر بوضع عراقيل أمام المترشح من أجل الحد من قدرته على جمع الموريتانيين استنادا إلى برنامجه.
لا تنسوا أننا في إطار غير عادل فيما يخص المال، والولوج إلى التمويل، ويمكنكم ملاحظة أنه من أجل الحصول على التزكية تكون هناك مشاكل.
لا بد إذا من معرفة دقيقة بعمل الدولة العميقة، وعمل مواطنينا، وعقليتنا، والحقيقة أن هناك تردّيا كبيرا. يحتاج الأمر تحليلا سياسيا من أجل التمكن من الولوج إلى التزكية والتمويل.
إننا في ديمقراطية واطئة، ونحن مقيدون، والهدف هو إسكاتنا، ولكن الرأي العام يفهم ذلك وسيقرر الاختيار.
نور الدين مولود (صحفي مستقل): شكرا جزيلا سؤالي يهم العلاقة بينكم وتواصل، لأنه في البداية اعتبرتم مرشحا للحزب، ولكن فجأة قدّم تواصل مرشحا ممثلا في رئيسه امادي.. فهل أنتم من تخلى عن الحزب أم العكس؟
سوماري: حقيقة أنا لدي علاقة صداقة وتقارب مع حزب تواصل منذ فترة طويلة، لأنه خلال مساري بفرنسا في سنوات التسعينيات كان في كل دول العالم تقريبا وفي الجزائر بشكل خاص هناك مد للإخوان المسلمين.
وأنا كنت إبان ذلك قد غادرت منزل العائلة نحو الحي الجامعي في مدينة كبرى بفرنسا، ولم يكن هناك من يعرف هل أصلي أم أصوم.
لقد طرحت على نفسي السؤال: من أكون أنا؟ وجوابا على ذلك عرفت بالطبع أنني موريتاني وسوننكي، ولكن قبل كل ذلك أنني مسلم.
لقد كان علي إذا أن أعود للإسلام، وذلك من خلال المساجد، والقراءة، والصحبة، وقد أكسبني تكويني المهني خاصية التعمق في الأشياء.
إننا ندرك في عالم الجراحة مثلا أن الذرة جدُّ معقدة، وأن الإنسان هو العقل، والعقل لا يتعرض للكسر، قد يحصل ذلك مثلا مع الوجه والذراع، ولكن بالنسبة للعقل لا يمكن أن يحصل الأمر، بالتالي فإننا نفكر مليا قبل أن نتخذ القرار، وندرك أننا حين نهم بإجراء عملية جراحية مثلا، ونتقدم لا يمكننا الرجوع مجددا إلى الخلف.
لقد أتاح لي التفكير العميق محاولة أن لا أنخدع، رغم أنني كسائر البشر يحصل لي ذلك أحيانا، ولكن في مسألة الإسلام السياسي والإيديولوجية السياسية، والإيديولوجية الإسلامية لم أنخدع.
بالنسبة لي الإسلام يدور حول الخصوصية، والمجتمع الإسلامي لا يمكن أن يقوم إلا عبر التسامح. وحين أسامح لا يعني ذلك بالضرورة أن رؤيتكم تختلف عن رؤيتي في الإسلام.
ففي القرآن الوحدانية لله، ولكن الوحدانية لا تعني أن تكون لنا نفس الرؤية، فبالنسبة مثلا للأشخاص الذين لديهم قراءات مختلفة للقرآن، نكون أمام فهم مختلف كذلك، ولا يمكن أن نتصور على سبيل المثال أننا نحن الخمسة الجالسين الآن لدينا نفس الرؤية.
إن مشكلة الإديولوجيا الإسلامية هي أنها تفرض عليك نفس الرؤية وتجعلك داخلها.
وبما أنني مسلم ومتسامح كما قلت من قبل، فإنني أحتفظ بعلاقات جيدة مع حزب تواصل، فقد ساعدني في الحصول على التزكيات عدة مرات لأشخاص غيري، وقد طورت علاقات سياسية مع قادته دون أن أنتمي له.
هذه المرة إذا وبما أنني مترشح رئاسي، فقد فهمت منذ البداية أن 230 بلدية محتكرة من طرف الأغلبية الرئاسية، بينها 179 لدى حزب إنصاف، وبلدية واحدة للصواب، و7 لتواصل، وقد توجهت نحو تواصل مستندا على ملاحظة أنهم في الفترة الأخيرة لم يقدموا مرشحا من الحزب.
لقد كان منطقيا بالنسبة لي أن أتحدث مع تواصل، من جهة لسابق علاقاتي معه، ومن جهة ثانية لعزمي الترشح للرئاسة وبالتالي حاجتي للتزكية من المعارضة، وقد خضنا اللعبة مطولا ولم أكن الخيار الوحيد، وإنما كنت ضمن آخرين، لكنني وصلت المربع الأخير، أشكرهم على الثقة، لقد اختاروا في النهاية مرشحا منهم، وأحترم لهم ذلك، فهذه هي السياسة.
في السياسة لا توجد قطيعة ولا خيانة، وإنما هناك التقارب في المصالح، والاختلاف في المصالح، ولكن بشكل عام نحن في نفس المعسكر.
محمد جوب/ الأخبار: السيد الرئيس سأسأل سريعا، لأن الوقت لا يسمح.. ما هي أولوياتكم عدد لنا 3 أو 4 منها؟ والسؤال الثاني قلتم إن هناك عدم تساو في التمويل، وإن المنافسة ليست عادلة فماذا عن ذلك؟
سوماري: الأولوية هي السلام الأهلي.
محمد جوب مقاطعا: بسرعة هذه المرة
سوماري: لا يمكنني أن أكون أسرع منك، لأنني أمارس السياسة، وأنتم صحفيون، علي إذا أن أزن كلامي وأن أفكر فيه حتى لا يطلق على العواهن، ولكنني أفهم تنبيهك على الوقت، وسأقوم بجهد من أجل تحقيق ما طلبتم مني.
إن أولوياتي هي السلام الأهلي، إذ من دونه لا يمكن القيام بأي شيء، والسلام الأهلي لا يكون إلا بمصالحة بين جميع الموريتانيين، والمصالحة بين الموريتانيين لا تقوم من خلال طرف دون آخر.
إن لدينا القدرة كما يحصل في كل أنحاء العالم على الجلوس، وإجراء تقييمات عامة من أجل إعادة تأسيس عيشنا المشترك، ويجب هنا تجنب خطابات المواجهة المجتمعية، ودعوة من يسعى لاستغلال الوضع الحالي وأعني هنا الدولة العميقة، إلى إدراك أن هذه الديناميكية التي يسيرون في فلكها تحمل بذور نهايتها، وإذا كان الأمر لا يعني سوى نهاية الدولة العميقة فذلك ليس سيئا.
إن في كل الدول هناك دولة عميقة، والدولة العميقة هي مفهوم درسه الأنغلوسكسون في مصر، حين كانت تركيا تسيطر على هذا الجزء من العالم، ويقال اليوم في العلوم السياسية إن هناك دولة عميقة في كل دول العالم.
فهي ذلك الجانب الخفي بحيث لا نرى إلا الرئيس والحكومة، أما من يحكمون البلاد فيكونون أناسا مغمورين، وهم الذين يعرفون بالدولة العميقة.
إن الدولة العميقة إذا عملت في إطار جمهوري، وحمت الأفراد على مستوى المواطنة، تكون قوة تعزز التماسك الاجتماعي، وتعزز طموحات البلاد اقتصاديا وماليا، وإذا كانت لا تقوم بذلك يكون العكس.
إن موريتانيا لم تجد ربما الوقت للتفريق بين الاثنين، فنحن جزء من الأراضي الإفريقية التي لم تتخلص من الاستعمار إلا في وقت متأخر جدا.
محمد جوب مقاطعا: سريعا ما ذا عنك وعن مسارك؟
سوماري: حسنا، للحديث عني كمترشح أقول إنني أولا موريتاني من سكان نواكشوط، أهلي هنا منذ السبعينيات، حيث كانت اللغة الموحدة للموريتانيين خصوصا القادمين من سينلوي هي الولفية، فبها كنا نتحدث مع صاحب الحانوت.
لقد شاركت في تطوير طريق الأمل التي يمر عبرها العديد من سكان الحوض الشرقي، وهنا انتقلت من الوولفية إلى الحسانية، وهكذا فخلال هذه الفترات استطعت التعرف على ثقافة مختلف المكونات الاجتماعية.
ثانيا أنا لست مختصا في السياسة، وإنما سياسي ظرفي، وفي بلدنا للأسف الكثير من الظرفيين، وقد منحنى هذا الأمر تشكيل رأي داخلي، مع القدرة على تشكيل مقترحات مبتكرة ومختلفة عن المقترحات التقليدية، ولهذا حين تطرحون علي أسئلة فإنني أحتاج إلى تحديد مفاهيمي، لأنني أعتقد أنه في موريتانيا الكثير من المعارك الإديولوجية، وحين نتحدث فإن العبارات التي نستخدم قد يساء فهمها، وأنتم لا تعطونني الفرصة دائما لتوضيح العبارات التي أريد استخدامها من أجل أن يفهم الرأي العام، المفهوم الذي أريد أن أنقله عبر الكلمات التي أختار.
بابكر انجاي (كريدم): السيد سوماري سأعود قليلا إلى الوراء. كانت هناك لجنة تحقيق برلمانية بهدف التحقيق في تسيير رئيس الجمهورية السابق محمد ولد عبد العزيز. في حال انتخابكم هل ستنتهجون ذات المسار مثلا مع الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني؟
سوماري: أنا أعتقد أنه ليس تسيير الفرد هو الذي يجب أن نحقق فيه، ولا ينبغي شخصنة الأمور فبالنسبة لي أعتقد أن دولتنا في هذه اللحظة من تاريخها بحاجة إلى ركائز عامة من أجل إعادة تأسيس الأسس التي تقوم عليها.
إن مؤتمر ألاك لعام 1958 كان قد خدم الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله في وضع الأسس الأولى لدولة موريتانية عصرية تتجه نحو الخلاص من الاستعمار وتسعى للحصول على الاستقلال.
وأعتقد أنه في الأثناء كان هناك ارتباك للمشروع الوطني سببته الدولة العميقة، إذ لا وقت لها لفهم واستيعاب أنها لا يمكن أن تعمل من أجل حكم أقلية ولغرض خصوصي بحت.ط
ويبدو لي أن مواجهة الإشكال المطروح اليوم، تتمثل في عقد ما تطلق عليه بعض الدول ندوة وطنية، أو حوارا، وأنا سأسميه مرتكزات عامة لإعادة التأسيس.
يتعلق الأمر بشأن عام وليس شخصيا، يأخذ في الاعتبار الأنماط التي مرت بها بلادنا منذ البدء إلى اليوم، مع تحليل معمق تشاركي، وشامل، تتمخض عنه توصيات توافقية يتم تطبيقها، تضمن حماية المواطن، وتكون دولة القانون هي مصدر القوة.
ستكون هناك قطيعة مع تقسيم المجتمعات من طرف الدولة العميقة، التي تستهدف بالأساس الحفاظ على مكانتها.
إن حكم الأقلية الذي تسعى له الدولة العميقة يشمل كل مكونات وطننا من سونونكي، ووولف، وبولار، وحراطين، وبيظان، ولكن ليس جميع أفراد هذه المكونات، ولا حتى كل العسكريين كذلك.
إن من الخطأ القول إن هناك نظاما عسكريا، أو نظام بيظان، فذلك يخلق اتحادا مقدسا حول حكم الأوليغارشية ممتدا مدى الحياة.
إن التحليل السطحي خطير جدا. حين يأتيني أحدكم طالبا استشارة طبية يشكو من ألم برأسه مثلا، وأقول له بأن يأخذ دوليبران، فأنا لم أسوِّ مشكلته، إذ لا بد من إخضاعه لبعض الإجراءات، ولابد من سؤاله أيضا من أجل التأكد مما إذا كان ألم الرأس مرتبطا بالأسنان، أو بمشكل في الأذن، أو العينين، أو الدماغ، وإذا كان الدماغ هل يحتاج الأمر عملية جراحية أم لا، وحينها يمكنني أن أعطيه العلاج علاج السبب.
وهذا هو العلاج الذي يجب البحث عنه لموريتانيا، فحين نتوقف فقط عند العقد الذي حكم فيه ولد عبد العزيز أو خمسية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فإننا بهذه الطريقة لن نحل مشاكل البلاد.
نور الدين مولود (صحفي مستقل): بروفسور سوماري بوصفكم طبيبا جراحا تعتمد عليه المستشفيات الموريتانية، ألا تعتقد أنكم إذا نجحتم في الرئاسة ستخاطرون بحرمان المرضى من خدماتكم، لأنه كما تعلمون في موريتانيا هناك الكثير من السياسيين، والقليل من الجراحين؟
سوماري: حسنا إن الأمر مرتبط برؤيتكم للسياسة، والالتزام المواطناتي، فإذا كانت السياسة مهنة فبالطبع أنا أفضل مهنة الجراحة في المستشفيات، وأفضل كذلك أن أعمل أستاذا في المستشفى الجامعي، فهذا لا يتطلب تصويتا، ولا قدرة على إقناع المواطنين من أجل اختياري كجراح، أو أستاذ.
الأمر يتعلق بمجهود ذاتي معترف به، وقد منحني الله بفضل منه، القدرة على نيل ثقة بعض المواطنين فيما يخص الجانب الصحي.
إذا كان الأمر يخص الحياة السياسية المهنية، فإنني أفضل ما أنا فيه الآن، ولكن وكما قلت أنا سياسي اللحظات الكبرى، والمرحلة التي نعيشها الآن تعد لحظة كبرى في تاريخ البلد.
إنني لا يمكن أن أرى نفسي أستخدم مواردي فقط من أجل جوانب معينة، ولكن قد أضاعفها لتشمل جوانب أخرى مختلفة، وبالمناسبة هناك دول استفادت من حكم الأطباء كما هو حال ماليزيا، فقد حققت إقلاعا ونموا بفضل طبيب ترشح للرئاسة وفاز، ولم يمنعه ذلك من العودة لممارسة مهنته بعد انتهاء ولايته.
أعتقد إذا أن الأمر لا يتعلق باختيار بين أمرين، ولا بالتردد أو الحسم بينهما، وكأن هناك معضلة.
الأمر بالنسبة لي تكاملي، وما يهم هو شخصي الذي أقدمه للموريتانيين كطبيب ممارس، من أجل قيادة البلد، ومحاولة تقديم علاجات للأمراض التي يشكو منها، وذلك ضمن إطار علاج جماعي، يقود إلى سلام أهلي ومصالحة، والسير على طريق التنمية.
نور الدين مولود (صحفي مستقل): لقد تخليتم عن جنسيتكم الفرنسية في سبيل الترشح للانتخابات الرئاسية، التي يرى مراقبون خارجيون أنها محسومة لصالح الرئيس غزواني. ألا تعتبرون هذا مغامرة يمكن أن تفقدوا بها جنسية دولة ينظر إليها كإحدى الدول المهمة في العالم؟
سوماري: أعتقد أنه من الجيد إعادة النظر في موقع فرنسا، قلتم إنها الدولة الأكثر أهمية في العالم، أو من بين الدول الأكثر أهمية في العالم، ولكن نحن نلاحظ أن فرنسا تتراجع. هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية أنا ولدت في باريس من أب موريتاني، وقد صرح بي لدى سفارة موريتانيا في باريس، وأوراقي الأولى التي خرجت بها فرنسا لم تكن فرنسية، وإنما خرجت بوصل من السفارة مكتوب فيه "اسمحوا له بالخروج" موقع من طرف القنصل الموريتاني بفرنسا الراحل غانيي جاورا، ودخلت به موريتانيا.
لقد حصلت على أول أوراق فرنسية وأنا في سن الثامنة عشرة من أجل الخدمة العسكرية.
إذا أنا فهمت أنني فرنسي في الثامنة عشرة، وذلك ببساطة لأنني ولدت في فرنسا.
لم أكن مثل العديد من مواطنينا الذين يختارون الحصول على الجنسية الأجنبية.
لقد عشت كل طفولتي على أساس أنني موريتاني فقط، ولم أفهم أنني فرنسي إلا في الثامنة عشرة حين اتصلوا بي من أجل الخدمة الوطنية، ولم أقم بذلك لأنني لا أريد، ولأن ذلك التزام أيضا.
لقد أتاحت لي الجنسية الفرنسية متابعة دراسي ولكن كموريتاني، وقد واجهت الكثير من المصاعب الإدارية في فرنسا كمواطن موريتاني.
اليوم أنا في بلدي، والجنسية الفرنسية لن تجدي كثيرا هنا، والتخلي عنها لا يشكل لي منقصة شخصية، أما الترشح للرئاسة فهو قرار إرادي مني.
محمد جوب: شكرا جزيلا على تشريفنا بحضوركم. لقد كان النقاش سلسا، بحيث إن تجاوزنا سؤالا نعود إليه لاحقا.
أشكر كذلك زملائي سيدي محمد ولد بلعمش من موقع مراسلون. وبابكر انجاي من اكريدم، ونور الدين مولود، الصحفي المستقل.
وهذا أنا محمد جوب، أضرب لكم موعدا في نقاش الحلقة الرابع من حوار الأخبار...شكرا جزيلا.