هوامش على نتائج انتخابات29 يونيو2024/ باب عثمان

أصبح من المؤكد بعد اكتمال فرز مكاتب التصويت بنسبة100٪ في عموم موريتانيا وفي الخارج أن الرئيس الحالي محمد الشيخ الغزواني قد حسم نتيجة الانتخابات من الشوط الأ ول بنسبة تزيد على: 56.12٪، والمتابع لمجريات التصويت يدرك أن هذه الانتخابات بالرغم مماشابها من ضغوط وخروقات  ليست من أسوإ الانتخابات التي جرت في بلادنا من الناحية الفنية والإجرائية، هذا عن مجريات التصويت فيها.

أما عن نتائجها فهنالك معطيات كانت واضحة للمتابع للشان السياسي الوطني خلال فترة الحملة، لكنها ازدادت وضوحا بعد انجلاء غبار معركة هذه الانتخابات، وخروج نتائجها للعلن،  وهذه المعطيات يمكن أن نجمل أبرزها في ثلاثة أمور:

الأمر الأول أن الرئيس غزواني لديه معارضة حقيقبة وقوية مكونة من أطياف واسعة من الشعب الموريتاني من مختلف الأوساط الاجتماعية، والسياسية، وهذا عبرت عنه بوضوح نتائج مدينة انواكشوط وانواذيبو وبعض كبريات المدن في داخل البلاد، حيث خرج الرئيس غزواني من هذه الانتخابات مهزوز الثقة بشعبيته، ومستاء من بعض المحيطين به من المصفقين الذين يحجبون عنه الحقائق، فأصدق دليل على انهيار شعبية الرجل هو أننا حين نجمع نتائج مرشحي المعارضة الخمسة في العاصمتين: انواكشوط وانواذيبو، وغيرهما من كبريات المدن ندرك بجلاء أن النظام قد هزم هزيمة مذلة في هذه المدن التي هي مركز الوعي،  ولا يمكن أن تحدث فيها عمليات تزوير كبيرة، لذلك يمكن أن تؤخذ نتائجها كمؤشر حقيقي لمدى شعبية الأحزاب والمرشحين.

 

الأمر الثاني أن هذه الانتخابات شهدت اصطفافا عرقيا وشرائحيا غير مسبوق، والناظر في خريطة النتائج يدرك ذلك بسهولة، وهذا ما جعل النائب برام الداه اعبيد يحل ثانيا في ترتيب نتائجها، حيث استفاد من دعم عدة مكونات اجتماعية رأت أنه  الوحيد الذي يمكن أن يحقق لها تطلعاتها في الحرية والمساواة، وصوت له أيضا مع هذه المكونات أنصار الرئيس السابق محمد بن عبد العزيز  بكثرة، وهذا ما أكدته نتائج ل«كصر»، و«تفرغ زينه»، و«تيارت»، و«إنشيري»، و«انواذيبو».
أعتقد أنه  لا بد أن تتنبه السلطة لمطالب هذه الفئات الاجتماعية الواسعة من الشعب الموريتاني التي يعاني أغلبها من التهميش، والفقر، وانعدام الخدمات الضرورية، وعلى النظام أن يدرك بوضوح أن سياسة إنشاء المندوبيات التي توزع بعض الفتات على هذه الفئات، هي سياسات فاشلة، وعديمة الجدوى، وأصدق دليل على ذلك هو كون هذه الفئات التي كانت تستفيد من مشاريع تآزر هي ذاتها التي صوتت بقوة وبنسب مرتفعة للنائب برام الداه اعبيد ضد غزواني، وهذا يتطلب من رئيس الجمهورية المنتخب أن يدرك أن الحلول الترقيعية لم تعد تجدي نفعا، وأنه لا بد من إصلاحات حقيقية؛ اقتصادية، وتنموية، وسياسية، وعلى صانع القرار أن يدرك أن هنالك بعض الأساليب التي كانت تجدي نفعا في السابق، لكنها أصبحت عديمة الفائدة.

 

الأمر الثالث هو أن هنالك قوة سياسية لا يستهان بها في هذا البلد، هي قوة الإسلاميين، أعني بها تحديدا التيار الإسلامي الإصلاحي التجديدي، وهذه القوة عامل استقرار أساسي في هذه البلاد، فلقد أبانت نتائج هذه الانتخابات أن هنالك عشرات الآلاف من الشعب الموريتاني آمنت بالمشروع السياسي  لحزب تواصل الإسلامي الذي يصنف بأنه هو الإطار المعبر عن هذا الفصيل السياسي، حيث حافظ هذا الحزب في كل مدن هذه البلاد وقراها على المركز الأول، أو الثاني، أوالثالث في نتائج الانتخابات في أغلبية مكاتب التصويت، وعكست نتائجه في التصويت في عموم موريتانيا عدد منتسبيه في آخر مؤتمر عام له، وهو المؤتمر الذي التأم في أواخر ديسمبر من من سنة 2022م، حيث بلغ منتسبوه حوالي مائة وثلاثين ألف منتسب في عموم موريتانيا، وهذا ما أكدته نتائج الحزب في هذه الانتخابات حيث صوت له حوالي مائة وسبعة وعشرين ألف مواطن.

إن هذا الحزب الوطني الناضج المليء،  بالكوادر، والطاقات الشبابية، والكفاءات العلمية، من الرجال والنساء، هوالحزب الوحيد الذي لديه منظمتان؛ نسائية، وشبابية تضم الآلاف من النساء الفضليات، والشباب الأفاضل الذين يحملون هم مشروعه السياسي، ويبذلون الغالي والنفيس من أجل إيصال برنامجه الانتخابي إلى كل بيت، ثم إن هذا الحزب هو المرجِع اليوم لكل المترشحين المعارضين بشأن نتائج الانتخابات من أجل تزويدهم بنتائجها بشكل موثق، لأنه الحزب الوحيد الذي شكل غرفة عمليات متكاملة، لديها طواقمها البشرية والفنية لرصد كل صغيرة وكبيرة بشأن هذه العملية، ولديه لجان فرعية في كل مقاطعات موريتانيا، وفي الخارج، حتى إن نتائج غرفة عملياته كانت أسرع بكثير من نتائج اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، ولذلك فإن موقفه من هذه الانتخابات مهم، والجميع ينتظره، ولكن قيادة الحزب ليست في عجلة من أمرها لأن لديها محاضر كل مكاتب التصويت، وتنتظر اكتمالها نهائيا حتى تضح لها الصورة، ثم بعد ذلك تتصرف من منطق القوي الذي يمتلك كل أوراق القوة، الممسك بخيوط وتفاصيل العملية، والمستشعر في ذات الوقت عظمة المسؤولية، لأن تصرفا من قبيل رفض النتائج بالكلية، والطعن في مشروعية النظام قد يدخل البلاد في نفق مظلم، لا يعلم إلا الله متى ستخرج منه، ولذلك لا يمكن لهذا الحزب أن يقدم عليه إلا بعد أن يتأكد أن العملية شابها تزوير فاحش يفقدها كل نوع من أنواع المصداقية.

باب عثمان

3 July 2024