تشاور في ظل التهدئة/ إسماعيل ولد الرباني*

لم يُسَمِّه من طالب بإطلاقه حوارا، حتى لا يلتبس مع تجارب الحوارات السابقة التي لم يسبقها تمهيد أرضية، ولا جو تهدئة، ولا ظرف تواصل، من أي نوع كان، بين السلطة الحاكمة والنخب السياسية.

 

لم يطلق عليه اسم حوار لأن فرقاء المشهد السياسي لم يعودوا شركاء متشاكسين، بل أصبحوا إخوة متحابين، يحترم بعضهم بعضا.. يرحم حاكمهم معارضهم، ويحترم معارضهم حاكمهم.

 

لقد سماه تشاورا بعد أن جلس الجميع على ذات الطاولة، سواء تعلق الأمر بمنصة احتفالات عيد الاستقلال، أو بخيمة مهرجانات المدن القديمة، أو بقاعة قصر المؤتمرات... فأصبح التشاور منهجهم، وتبادل الآراء وسيلتهم، وبناء البلد غايتهم.

 

حانت لحظة التشاور بعد أن مهد رئيس الجمهورية طريقه وسوَّاه وأماط عنه الأذى ووضع أكاليل الزهور على جنباته، وذلك من خلال اعتماد تهدئة سياسية جاءت بعد عواصف التخوين، وزوابع الحرمان، ورعود التنابز بالألقاب.

 

فلأول مرة في تاريخ البلد، يُجمع الطيف السياسي بكل تناقضاته وتوجهاته على تلبية مطلب صادر عن رأس هرم السلطة، بالاجتماع تحت سقف واحد للنقاش والتشاور حول ما يمكن أن يدفع بالبلد إلى بر الأمان، ويؤسس لبناء نهضة شاملة يضع فيها كل مشارك في التشاور لبنة، ويستظل الجميع بصرح الوطن الذي بنوه سويا.

 

إن التشاور المرتقب سيؤسس لعهد جديد من التعاون ما بين سلطة تبني ومعارضة تثمن المنجزات وتنبه على مكامن التقصير.

 

تشاور سينهي الشعور بالغبن، ويضع حدا للتهميش، ويعزز اللحمة الوطنية، ويرسخ القيم الديمقراطية، ويمضي بقطار التهدئة السياسية نحو محطة تكاتف الجميع من أجل الوطن.

 

لقد رأت المعارضة جدية في تقبل النظام للآراء المخالفة، ومُضيَّه في إطلاق المشاريع الكبرى التي تستهدف رفع المستوى المعيشي للطبقات الهشة، والورشات الكبرى التي ستغير الوجه الحضاري للدولة، وفرص التشغيل التي استفاد منها عشرات الآلاف حتى الآن، وتعزيز الحريات التي تجلت في جهود إصلاح الصحافة... رأت المعارضة في كل ذلك ما شجعها على الدخول في التشاور دونما قيد أو شرط، وهي جازمة بأن مخرجاته ستجد طريقا سالكا نحو التطبيق.

 

 

29 October 2021