تيزواتين.. بدء المرحلة الثانية من المعارك فماذا بعد؟

في مؤشر على تدهور الوضع مجددا بتينزواتين، شهدت البلدة الصغيرة الواقعة بالشمال المالي قرب الحدود مع الجزائر، صباح الأحد هجوما بطائرات مسيرة، خلف عشرات القتلى والجرحى.
وعلى غرار ما حصل في معارك أواخر شهر يوليو الماضي، تضاربت الروايات حول الهجوم الجديد، فالإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي، أعلن مقتل 21 مدنيا بينهم 11 طفلا ومسير صيدلية، وتحدث عن إصابة عشرات آخرين بجروح، وعن أضرار مادية جسيمة.
أما بالنسبة للجيش المالي، فقد تحاشى الحديث عن أي حصيلة، وقالت هيئة الأركان المالية في بيان إن “التقييمات جارية”، وإن الضربات الجوية “استهدفت أهدافا إرهابية” من خلال “مسؤولين عن عديد عمليات الابتزاز والانتهاكات ضد المدنيين”.
وقد تبادل الطرفان الاتهامات، فالجيش المالي اتهم المجموعات المسلحة الأزوادية ب”تقييد حرية تنقل المدنيين، وأخذهم كدروع بشرية”، والمسلحون الأزواديون اتهموا جيش باماكو ب”الإجرام” والقيام ب”إبادة جماعية”، ودعوا لتقديم أفراد المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في البلاد، أمام محكمة العدل الدولية.
ويبدو أن الجيش المالي مصر على القيام بأعمال انتقامية من المسلحين الأزواديين، بعد معارك يوليو التي تكبدت فيها عناصره وعناصر مجموعة فاغنر خسائر كبيرة في الأرواح.
وبالمقابل سيسعى المسلحون الأزواديون إلى الرد على هجمات الأحد، وحينها يكون الطرفان قد دخلا في مرحلة ثانية من الحرب تتسم بعدم الاستمرار، ولكنها طويلة الأمد وتقوم على تبادل الرد المباشر وغير المباشر.
لكن ما يثير المخاوف بشأن المرحلة الجديدة من الحرب الداخلية في مالي، أنها جاءت بعد اتهام الحكومة المالية لأوكرانيا بدعم “الإرهاب” وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وتضامنا مع باماكو اتخذت النيجر خطوة مماثلة.
وتعتبر مالي أن المسلحين الأزواديين يتلقون الدعم من أوكرانيا، التي تخوض حربا مع روسيا منذ أزيد من سنتين، وهذا يعطي بعدا خارجيا للحرب الداخلية، فموسكو لن يقتصر حضورها على عناصر فاغنر، الذين اتضح أنهم غير قادرين على خلق سند حقيقي يمكن للجيش المالي التعويل عليه، وكييف قد لا تقف مكتوفة الأيدي، بعدما قُطعت معها العلاقات، هذا إذا كانت أصلا لم تدعم الأزواديين في المعارك السابقة.
فقد أعلن المتحدث باسم المخابرات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف في تعليقات نشرت على موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون العامة الأوكرانية في 29 يوليو الماضي، أن “المتمردين الماليين تلقوا المعلومات الضرورية لتنفيذ الهجوم”، وإذا كان الدعم الأوكراني قد اقتصر بالفعل على المعلومات الاستخباراتية خلال الفترة الماضية، فإنه الآن قد يتجاوز ذلك، وتصبح بالتالي هناك جبهة حرب بين أوكرانيا وروسيا في إفريقيا.
أما على الصعيد الإقليمي فإن الاصطفافات بدأت وبشكل علني منذ انتهاء المرحلة الأولى من المعارك، فأعلنت بوركينا فاسو التدخل عسكريا لصالح مالي جارتها وحليفتها في تحالف دول الساحل، وأعلنت السنغال التضامن مع سلطات باماكو، واستدعت وزارة خارجيتها السفير الأوكراني في البلاد احتجاجا على نشره فيديو يشيد فيه بما اعتبره انتصارا للمسلحين الأزواديين.
كما عرفت داكار كذلك مظاهرات لناشطين يطالبون بطرد السفير الأوكراني تضامنا مع مالي، وشهدت نيامي احتجاجات مماثلة طالب المشاركون فيها بخروج أوكرانيا من منطقة الساحل الإفريقي.
إن تينزواتين تختلف فيما يبدو عن كل المناطق التي استرجعها الجيش المالي من المسلحين الأزواديين، وذلك بفعل تأثير الأبعاد الإقليمية والدولية فيها، وهو ما يجعلها أكثر خطورة، وأصعب تحقيقا للانتصار.
ومع ذلك فإن الطرفين لن يتراجعا عن الاقتتال عليها، فالجيش المالي لا يرضى بغير السيطرة على كامل الأراضي انسجام مع شعار “السيادة الوطنية” الذي يشكل المصدر الرئيسي لبقاء المجلس العسكري بالسلطة، والمجموعات الأزوادية لن تقبل بمغادرة آخر المناطق التي ظلت تحت سيطرتها لفترة طويلة.

 

 

محفوظ السالك

26 August 2024