قراءة في كتاب "أيها المواطنون الصالحون أنتم المشكلة"

محمد سيدي عبدالله/ كنت قد قررت في خضم زحمة التزامات أن أبتعد مؤقتًا عن الكتابة، إلا أن هذا العمل أبى إلا أن يعيدني إليها من جديد. شعرت وكأن الكاتب قد تقدم بطعنٍ ضد قراري، فأجبرني بقوة جاذبيته الأدبية ورونق كلماته أن أعود للكتابة. وما أبهى هذا العودة!

في عالم السياسة، تُطرح الأسئلة أكثر من الإجابات، وتُصاغ الشعارات قبل أن تُوضع السياسات، وتُرفع الرايات قبل أن يُحدد الميدان. في هذا السياق، يأتي هذا الكتاب كمرافعة فكرية أمام محكمة الضمير الوطني، حيث لا متهم ولا قاضٍ، بل مواطن يقف أمام مرآة نفسه، ليواجه الحقيقة العارية: «أنت المشكلة، وأنت الحل».

لا يتحدث الكاتب محمد الأمين الفاضل في كتابه بلغة المجازات الحالمة، بل يمسك بالمشرط ليجري جراحة على جسد المواطنة، حيث السؤال ليس ماذا تفعل الحكومة، بل ماذا تفعل أنت؟ كيف نطالب بإصلاح التعليم، فيما يفر نخبة المعلمين من المدارس العمومية إلى المؤسسات الخاصة؟ كيف نرفع شعار العدالة، فيما يفضل الطبيب عيادته الخاصة على المستشفى العام؟ كيف ننتقد الفساد، فيما يتقاعس كل فرد عن أداء دوره، بانتظار أن يكون الجميع صالحين، ليكون هو آخر من ينضم إلى القافلة؟ إنها رغبة في الإصلاح مع وقف التنفيذ، انتظار جماعي بطيء، أشبه بحالة حلم يقظة وطنية.

لكن محمد الأمين لا يكتفي بالسؤال، بل يدعو إلى نهج جديد في السياسة، قائم على قاعدة: «نثمن وننتقد، ننتقد ونثمن». فزمن السياسة الحدّية، حيث يكون المرء إما مواليًا أعمى أو معارضًا بلا قيود، قد ولّى. يدعو الكاتب إلى معارضة شجاعة تعترف بالإصلاحات حين تحدث، وموالاة واعية تنتقد الاختلالات حين تظهر. 

إنه يطرح رؤية سياسية ناضجة، تراكمت عبر أكثر من 1500 مقال و15 عامًا من الممارسة، متنقلًا بين الاستقلالية والمعارضة والموالاة، في تجربة جعلته يرى السياسة لا كمعسكرات مغلقة، بل كفضاء للنقاش وتبادل الأفكار.

في خاتمة الكتاب، يستعرض محمد الأمين مبادرة سياسية غير تقليدية، انطلقت من التزام رئيس الجمهورية بإصلاح الإدارة ومكافحة الفساد وتمكين الشباب. هذه المبادرة، كما يقدمها الكاتب، ليست مجرد تجمع سياسي، بل منصة لمتابعة التعهدات، وتسويق الإنجازات، وكشف مواطن القصور، بعيدًا عن الصخب الإعلامي المعتاد.

يُختتم الكتاب، ليس كنهاية، بل كنقطة انطلاق لأسئلة أخرى .. هل نكتفي بلعن الظلام، أم نشعل شمعة؟ هل نبقى متفرجين، أم نشارك في كتابة فصول جديدة من الإصلاح؟ إنها دعوة مفتوحة لكل مواطن، حيث لا مكان للصمت، فالصمت في السياسة، كما يقول الكاتب، «جريمة في حق الوطن».

10 February 2025