رئاسة موريتانيا للاتحاد الأفريقي.. نجاح استراتيجي في معالجة قضايا القارة

بقلم/ هارون تراورى، مكلف بمهمة برئاسة الجمهورية
لا شك أن فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني قد نجح طوال فترة رئاسته للاتحاد الأفريقي في معالجة عدد من القضايا الاستراتيجية في وقت واحد، مما أعطى المنظمة ديناميكية من الإصلاحات والمبادرات الطموحة، فقد تمكن بحنكة ومثابرة من إزالة عقبات كبيرة أمام تطبيق القواعد الانتخابية الجديدة داخل مفوضية الاتحاد الأفريقي، خاصة فيما يتعلق بالتناوب بين الأقاليم وداخلها، وهي مسألة حساسة ومهمة.
كما قام بتسريع المناقشات حول إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مدافعًا بقوة عن ضرورة التمثيل العادل للقارة الأفريقية داخل هذه الهيئة الرئيسية للحوكمة العالمية.
وفي ظل رئاسته للاتحاد الأفريقي، انضمت أفريقيا رسميا إلى مجموعة العشرين، وهي نقطة تحول تاريخية رسخت دور القارة على الساحة الاقتصادية العالمية.
وفي القمة التي عُقدت في البرازيل، حظيت أفريقيا بمكانة مرموقة من خلال موريتانيا، مما يعكس التزام القارة بأداء دور أكبر في عملية صنع القرار العالمي.
وبروح من الترشيد والكفاءة، شجع السيد الرئيس على تحسين إدارة موارد الاتحاد الأفريقي، مما أدى إلى تخفيض كبير قدره 30 مليون دولار في ميزانية المنظمة، تمشياً مع الإصلاح المؤسسي الذي تم القيام به.
وفيما يتعلق بتسوية النزاعات، قام فخامة رئيس الجمهورية رئيس الاتحاد الأفريقي بدعم وتيسير التقارب بين عمليتي نيروبي ولواندا من أجل التوصل إلى تسوية دائمة للنزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما أتاح تنسيقاً أفضل لجهود الوساطة.
كما كان تحقيق الاستقرار في ليبيا والسودان إحدى أولوياته الدبلوماسية، حيث دعم بنشاط المبادرات الأفريقية ومبادرات الأمم المتحدة لإعادة توحيد الأطراف الليبية حول عملية سلام شاملة، مسلطاً الضوء على الدور المركزي للاتحاد الأفريقي في إدارة القضية الليبية. وفيما يتعلق بالسودان، دعا إلى وساطة أكثر فعالية ودور أفريقي أقوى في مواجهة أزمة إنسانية وأمنية كبيرة، داعياً إلى وقف دائم لإطلاق النار وحل سياسي للأزمة.
كما تميزت ولاية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بالتزامه القوي بالبيئة ومكافحة تأثيرات تغير المناخ، إذ دعا إلى زيادة التمويل المخصص للمناخ في أفريقيا، وإلى منح البلدان الأفريقية قدرة أكبر على التكيف مع تحديات هذه التغيرات. ومن هذا المنطلق، دعم مبادرة السور الأخضر الكبير، وهو مشروع حاسم لمكافحة التصحر واستعادة النظم الإيكولوجية في منطقة الساحل، مع تسليط الضوء على الحاجة إلى زيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة والتحول البيئي في القارة.
كما دعم إنشاء صندوق أفريقي للتكيف مع المناخ لمساعدة البلدان الأكثر ضعفاً على مواجهة الكوارث الطبيعية والجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر.
وكان لاعباً رئيسياً في تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، وهو صندوق حيوي يعود تمويله الرئيسي وتبرعاته بالفائدة المباشرة على البلدان الأفريقية.
وفي مجال البنية التحتية، نجح فخامة رئيس الجمهورية رئيس الاتحاد الإفريقي في حشد التأييد لمبادرة “300 مليون” التي تهدف إلى توفير الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي بحلول عام 2030. وبفضل قيادته، اكتمل تقريبا تمويل هذه المبادرة الطموحة، كما أكدت ذلك البيانات الأخيرة التي صدرت بحضوره في دار السلام، تنزانيا.
وقد أحرزت قضية الزراعة والسيادة الغذائية الحاسمة في القارة تقدماً كبيراً. ووعياً منه بأن هذه القضية تتطلب زيادة فرص الحصول على الأسمدة وتحسين خصوبة التربة، ترأس قمة في نيروبي خصصت لهذه القضية الكبيرة، جمعت رؤساء الدول والخبراء والفاعلين في القطاع الزراعي.
كما سلّط السيد الرئيس الضوء على الحيوية الديموغرافية في أفريقيا والدور المحوري للشباب كمحرك للتنمية. وقد أعطى زخماً جديداً للسياسات العامة المصممة لضمان التعليم والاندماج الاقتصادي ومشاركة الشباب والنساء في الحكم.
وكما هو معلوم فإن هذه القضية في بلدنا تقع في صميم أولويات الحكومة. واقتناعًا منه بأن الشباب هم أثمن موارد القارة، فقد عمل على جعل التعليم رافعة استراتيجية للتنمية الأفريقية. وبتشجيع منه، خصص الاتحاد الأفريقي عام 2024 للتعليم، مسلطًا الضوء على التدريب المهني وتكييف أنظمة التعليم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. وفي عصر الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، تكتسب هذه المبادرة أهمية حيوية في عصر الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
وكان المؤتمر القاري حول التعليم في نواكشوط، الذي جمع العديد من رؤساء الدول والوزراء والخبراء الدوليين، لحظة رئيسية في هذا الالتزام. وسلط هذا الاجتماع الضوء على التحديات الرئيسية: نقص حاد في عدد المعلمين الذين يبلغ عددهم 15 مليون معلم وفجوة تمويلية سنوية تبلغ 77 مليار دولار للتعليم في أفريقيا. وقد تمخض هذا المؤتمر عن بيان نواكشوط الذي يمثل إطلاق “عقد العمل المعجل لتحويل التعليم في أفريقيا (2025-2034)”. ويهدف هذا الإطار الطموح إلى ضمان التعليم الجيد والمنصف والمستدام، من أجل إطلاق الإمكانات الكاملة لشباب أفريقيا.
وقد أسهمت موريتانيا إسهامًا كبيرًا في هذه العملية من خلال تضمين إصلاحاتها التعليمية في أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، والهدف من ذلك هو غرس قيم السلام والتسامح والوقاية من التطرف منذ سن مبكرة من أجل إعداد جيل واعٍ بتحديات القارة وفرصها.
وأخيرًا، تم الإشادة بالإجماع بنتائج رئاسة الاتحاد الأفريقي لهذا العام كمثال للقيادة الحكيمة التي تميزت بـ :
– دبلوماسية فعالة وقدرة على التوحد حول القضايا الأفريقية الكبرى.
– التزام ثابت بالتعليم والتنمية المستدامة.
– الإدارة الماهرة للإصلاحات المؤسسية والأزمات التي تهز القارة.
– اهتمام غير مسبوق بقضايا البيئة والمناخ.
– العمل الحازم لتعزيز السلام، مع إحراز تقدم كبير في النزاعات الكبرى مثل تلك التي تشهدها الكونغو وليبيا والسودان.
ويشهد هذا السجل، خلال عام واحد فقط من تولي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني منصبه، والذي تزامن مع عام انتخابي مكثف في موريتانيا، على التزام لا هوادة فيه ورؤية تركز بحزم على مستقبل أفريقيا.
المصدر: و م أ