تدوير المفسدين...هل هي أزمة كفاءة ام منظومة إختلال؟ /د محمد عالى الهاشمي

الحقيقة المؤلمة التي باتت تفرض نفسها على المشهد الوطني هي ظاهرة تدوير المفسدين؛ أولئك الذين كشفت الأيام خيانتهم للأمانة، وظهرت الأدلة والبراهين على تورطهم في الفساد المالي والإداري، ثم يعودون فجأة إلى مواقع القرار وكأن شيئًا لم يكن.
هنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح:
هل نحن أمام نقص في الكفاءة داخل مؤسسات الدولة يجعلها عاجزة عن إيجاد البدائل؟
أم أن الأمر أعمق من ذلك، ويتعلق بتركيبة السلطة ذاتها وما يطبعها من ضغوط قبلية ومحاصصات وعلاقات اجتماعية وشبكات مصالح شخصية أصبحت تتحكم في مسار التعيين والعقوبة والمكافأة؟
في التحليل الموضوعي، يمكن القول إن الظاهرة ليست مجرد خلل إداري، بل هي مؤشر على أزمة بنيوية في الحوكمة، حيث يتم اختزال الدولة في شبكة من الولاءات المتبادلة والمصالح المتقاطعة، فيغيب معيار الكفاءة والنزاهة، ويُستبدل بمبدأ “الوفاء للدوائر” لا “الوفاء للوطن”.
وهنا يصبح الفساد ليس مجرد فعل فردي، بل نظامًا متكاملًا يفرز رموزه ويحميهم ويعيد تدويرهم في مناصب جديدة، ليمارسوا أدوارًا مختلفة في بنية الفساد نفسها.
ما يدفع للتساؤل أكثر هو الصمت الرسمي والمجتمعي إزاء هذه الممارسات.
هل نحن أمام حالة تطبيع مع الفساد حتى صار أمرًا عاديًا؟
أم أن هنالك قوة خفية تحرك المشهد من وراء الستار، تجعل من محاربة الفساد شعارًا للاستهلاك الإعلامي لا برنامجًا حقيقيًا للإصلاح؟
في كل الأحوال، من الخطأ التعامل مع الظاهرة كحدث عرضي، فهي في جوهرها اختبار لجدية الدولة في الإصلاح، ولقدرتها على استعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته.
فلا يمكن بناء دولة حديثة بوجوه فقدت رصيدها الأخلاقي، ولا يمكن الحديث عن التنمية حين تكون مفاتيح القرار بيد من خان الأمانة بالأمس.
إن مواجهة هذا الواقع لا تحتاج شعارات جديدة، بل إرادة سياسية صارمة، ونظام مساءلة حقيقي، يعلو فيه القانون فوق الولاء، وتُعاد فيه الثقة إلى المفهوم الأصيل للدولة: دولة الحق والعدل والمؤسسات.
د.محمدعالي الهاشمي
