خروقات اسرائيلية متكررة تختبر صمود اتفاق وقف الحرب في غزة

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية اليوم الأحد أن الجيش الإسرائيلي شنّ سلسلة من الهجمات الجوية على أهداف في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في وقت تتبادل فيه إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الاتهامات بشأن انتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة بمشاركة مصر وقطر، بهدف إنهاء الحرب المستمرة منذ أشهر في القطاع.
وقالت هيئة البث العامة الإسرائيلية 'كان' إن سلاح الجو الإسرائيلي استهدف مواقع في رفح، ووصفت أغلب وسائل الإعلام تلك العمليات بأنها "ضربات جوية محدودة"، فيما تحدث شهود عيان عن انفجارات عنيفة قرب الحدود المصرية.
وفي وقت لاحق، أعلن الجيش الإسرائيلي أن مقاتلي حماس نفذوا "هجمات متعددة" ضد قواته خارج المنطقة العازلة المعروفة باسم الخط الأصفر، شملت إطلاق قذائف صاروخية ونيران قنص، واعتبر ذلك "انتهاكاً صارخاً" لاتفاق الهدنة.
أما حركة حماس، فلم تصدر تعليقاً فورياً على الاتهامات الجديدة، لكنها كانت قد نفت في وقت سابق أي خرق للاتفاق، متهمة إسرائيل بالوقوف وراء التصعيد من خلال تنفيذ غارات محدودة ودعم "عصابات مسلحة خارجة عن السيطرة" في مناطق متعددة من القطاع، لتبرير العودة إلى العمليات العسكرية.
تبادل الاتهامات وتآكل الثقة
ويشير هذا التطور إلى هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ قبل أسابيع، بعد وساطة أمريكية مكثفة هدفت إلى إنهاء القتال وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتهيئة الأجواء لاستئناف مسار سياسي أوسع ضمن ما يُعرف بـ"خطة ترامب الإقليمية" لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط.
لكن الخروقات المتكررة من الجانبين تهدد بتقويض هذا المسار، إذ ترى أطراف دولية أن الهدنة أصبحت في خطر حقيقي، خصوصاً بعد أن أعلنت إسرائيل إبقاء معبر رفح الحدودي مغلقاً حتى إشعار آخر، وهو ما يعطل إدخال الإغاثة والوقود ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
وقال الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة إن "العديد من الإرهابيين" أطلقوا النار على جنود في منطقة رفح دون وقوع إصابات، مضيفاً أنه استهدف مجموعة أخرى من "المسلحين" أثناء اقترابها من القوات في خان يونس. وأكد المتحدث العسكري أن الجيش سيواصل عملياته "للقضاء على التهديدات المباشرة".
في المقابل، تتهم حماس إسرائيل بانتهاك الاتفاق عبر الغارات الجوية، معتبرة أن الاحتلال "يبحث عن ذريعة للعودة إلى التصعيد"، في وقت تسعى فيه الحركة إلى كسب مكاسب سياسية داخلية وخارجية من خلال الالتزام النسبي بالهدنة.
عقدة الرهائن وتصاعد التوتر السياسي
وإحدى القضايا الحساسة التي تهدد باندلاع مواجهة جديدة هي ملف الرهائن القتلى. فقد طالبت إسرائيل بأن تسلّمها حماس رفات 28 رهينة قالت إنهم لقوا حتفهم أثناء القتال، بينما أكدت الحركة أنها سلّمت آخر الرهائن الأحياء وعددهم 20 شخصاً، إضافة إلى 12 جثة، مشيرة إلى أن بقية الرفات ما زالت مدفونة تحت الأنقاض، وأن استخراجها يحتاج إلى معدات خاصة وممرات آمنة.
ويرى مراقبون أن هذا الخلاف يعكس غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين، ويعقّد فرص تثبيت الهدنة. فإسرائيل تعتبر أن حماس تحاول استخدام ملف الرهائن كورقة ضغط سياسية، في حين تقول الحركة إن تل أبيب تحاول التملص من التزاماتها بشأن رفع الحصار وإعادة الإعمار.
تداعيات محتملة على خطة ترامب
تأتي هذه التطورات في وقت تسعى الإدارة الأميركية إلى إحياء خطة ترامب للسلام، التي تقوم على هندسة جديدة للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية، ودمج ملف غزة ضمن رؤية اقتصادية إقليمية أوسع. وكان وقف إطلاق النار خطوة أساسية لبناء الثقة وإطلاق مشاريع تنموية في القطاع بتمويل خليجي وأوروبي.
لكنّ استمرار التصعيد الإسرائيلي يُضعف هذا المسار بشدة. فالهجمات الجوية على غزة تُعد، في نظر المراقبين، خرقاً مباشراً لاتفاق رعته واشنطن، ما يضعف مصداقية الولايات المتحدة كوسيط، ويمنح الأطراف الإقليمية المعارضة للخطة – مثل إيران وحزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية – ذريعة لرفضها بوصفها "خطة غير متوازنة".
ويحذّر محللون من أن تدهور الوضع الميداني قد يعجّل بانهيار كامل للهدنة، ويقود إلى تآكل الدعم العربي للمسار الأمريكي، خاصة في ظل غضب شعبي واسع من استمرار معاناة المدنيين في غزة. كما أن عودة العمليات العسكرية ستؤجّل مشاريع إعادة الإعمار، وتعيد المشهد إلى منطق الحرب المفتوحة الذي تتغذى عليه الأطراف المتشددة في كلا الجانبين.
سيناريوهات المستقبل
إذا استمر التصعيد الحالي، فإن المنطقة قد تشهد إعادة اصطفاف سياسي جديد، حيث ستتراجع فرص التفاهم الأمريكي – العربي حول التسوية، مقابل صعود الأصوات الداعية إلى مقاربة أمنية بحتة بدلاً من الحل السياسي. في المقابل، إذا نجحت الوساطات القطرية والمصرية في تثبيت الهدنة مجدداً، فقد يُعاد إحياء المسار السياسي، ولو جزئياً.
لكن المؤشرات الميدانية لا تبعث على التفاؤل. فالإصرار الإسرائيلي على اعتبار أي تحرك فلسطيني في "الخط الأصفر" عملاً عدائياً، يقابله تمسك حماس بحقها في "الرد على الانتهاكات"، يجعل الهدنة معلقة على خيط رفيع.
وفي المحصلة، فإن الخرق الإسرائيلي الأخير لا يمثل مجرد انتكاسة أمنية، بل قد يشكّل منعطفاً سياسياً خطيراً يُسرّع في تقويض خطة ترامب للسلام، ويعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الإقليمية بوصفها نزاعاً غير قابل للتجميد أو التسويق السياسي، ما لم تتوفر إرادة دولية حقيقية لوقف الحرب بشكل شامل والانتقال إلى مسار عادل ومستدام.
المصدر: صحيفة ميدل أيست
