صفقات التسلح ورقة روسية لتعزيز النفوذ في شمال افريقيا والشرق الأوسط

تسعى موسكو إلى ترسيخ حضورها العسكري والجيوسياسي في الشرق الأوسط وإفريقيا عبر توظيف التعاون الدفاعي كأداة استراتيجية لتعويض الضغوط الغربية عليها، وتعزيز موقعها في مناطق تشهد تنافساً دولياً محتدماً. ويأتي ذلك في وقت تكشف فيه مؤشرات رسمية روسية عن ازدهار كبير في صادرات الأسلحة باتجاه الإقليمين، بالتوازي مع تحركات على الأرض في شمال إفريقيا وخاصة منطقة الساحل فيما تبقي على تواجدها العسكري في سوريا.
ففي تصريحات لافتة قبل افتتاح المعرض الجوي والفضائي في دبي، أعلن مدير الهيئة الفدرالية الروسية للتعاون العسكري والتقني، دميتري شوغاييف، أن العقود الدفاعية المبرمة بين موسكو ودول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات. وأوضح في مقابلة مع وكالة "نوفوستي" أن محفظة الصادرات العسكرية الروسية تتراوح حالياً بين 50 و60 مليار دولار، مشيراً إلى أن دول المنطقتين تستحوذ على نسبة مهمة من هذه الطلبات.
ويعكس هذا الزخم، وفق خبراء في الشؤون الاستراتيجية، حرص الكرملين على استخدام قطاع السلاح والتعاون العسكري كأداة نفوذ، خصوصاً بعدما دفعت العقوبات الغربية موسكو إلى تنشيط علاقاتها العسكرية مع شركاء خارج الدائرة الأوروبية. ويستند هذا التوجه إلى روابط تاريخية تعود إلى عقود طويلة، حيث زودت روسيا (والاتحاد السوفيتي سابقاً) عدة دول عربية وإفريقية بمنظومات دفاع جوي، وطائرات قتالية، ودبابات، ومعدات متعددة الاستخدامات.
وتؤكد موسكو أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمثلان أحد أهم الأسواق التقليدية للصناعات العسكرية الروسية. وقد ازداد هذا الزخم في السنوات الأخيرة مع توجه دول عدة في المنطقة إلى تنويع مصادر السلاح، خاصة بعد التوترات الإقليمية المتصاعدة والحرب في غزة، والتهديدات الأمنية في الجوار.
وفي الخليج والعراق وإيران ، توسع روسيا من تعاونها العسكري، مستفيدة من رغبة هذه الدول في تعزيز قدراتها الدفاعية بعيداً عن احتكار الموردين الغربيين. ويقول محللون إن موسكو تعوّل على هذه العلاقات لإيجاد توازنات جديدة تمنحها موقع تأثير أكبر في الملفات الإقليمية.
غير أن الطموح الروسي لا يقتصر على الشرق الأوسط، إذ بات التمدد في إفريقيا جزءاً محورياً من استراتيجيتها. فوفق تقارير غربية، تشهد منطقة الساحل خلال العامين الأخيرين تمدداً روسياً سريعاً، عبر مسار جغرافي يمتد من الأراضي السورية نحو شرق ليبيا، ومنها إلى عمق القارة. ويزداد هذا النفوذ وضوحاً مع الانسحاب التدريجي للقوى الغربية، خاصة فرنسا، من عدد من الدول الإفريقية.

وعززت موسكو من تعاونها العسكري مع مصر والسودان والجزائر وليبيا وغيرها من الدول ما منحها مزيد من النفوذ وسط ترقب غربي. ويعتمد الجيش المصري على السلاح الروسي ضمن خططه لتنويع مصادر التسلح.

وتحذر واشنطن وعواصم أوروبية من أن هذا الفراغ الأمني يمنح موسكو فرصة لتعزيز وجودها عبر التعاون العسكري والدعم اللوجستي، في وقت تعاني فيه دول الساحل من هشاشة أمنية وغياب استقرار سياسي. ويشير محللون إلى أن هذا التوسع ليس تحركاً عشوائياً، بل يعكس استراتيجية روسية لإعادة صياغة خرائط النفوذ الدولي.
وتدعم هذه القراءة التقارير البحثية الغربية. فقد نشرت مجلة "منبر الدفاع الإفريقي" التابعة للقيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) تقريراً في يوليو/تموز الماضي، أكد أن روسيا تتحرك منذ أواخر 2024 لإعادة بناء شبكتها العسكرية بعد تراجع نفوذها في سوريا إثر انهيار نظام بشار الأسد. ويقول التقرير إن موسكو اختارت ليبيا كنقطة ارتكاز جديدة، حيث بدأت بإعادة نشر قوات وتجهيزات عسكرية في الشرق الليبي، ما يشير إلى توجه ثابت لاستعادة القدرة على التأثير الأمني في مساحات واسعة من القارة.
ويعتقد مراقبون أن هذا التحول الروسي يعكس رغبة في استغلال الفراغ الذي خلفه التراجع الغربي، إلى جانب بناء شراكات جديدة تعتمد على تبادل المصالح مع حكومات هشة أو أنظمة تبحث عن دعم أمني سريع. ويُرجّح أن يتعمق هذا المسار مع استمرار الضغوط الدولية على روسيا على خلفية حرب أوكرانيا.
وفي ظل هذه التحولات، يُنتظر أن يشهد معرض دبي للطيران إعلان صفقات دفاعية جديدة، إذ تشير تقديرات أولية إلى ارتفاع الطلب على التقنيات العسكرية الروسية في الدول التي تسعى لتطوير منظوماتها الدفاعية أو تنويع مصادر تسليحها. وتأتي هذه المؤشرات لتعزز رؤية موسكو القائلة بأن التعاون العسكري ما يزال أحد أهم الأدوات التي تمكنها من توسيع نفوذها العالمي، وفرض نفسها لاعباً مركزياً في مناطق تعيش تحولات سياسية وأمنية معقدة.

المصدر: ميدل أيست

18 November 2025