ذ.محمد فاضل الهادي يكتب:ابشر بطول عمر يا وزير!

يتعرّض وزير الداخلية واللامركزية لحملة هجوم غير مبرّرة، لا لشيء إلا لأنه قرّر تطبيق القانون على الجميع دون تمييز، وأطلق واحدة من أكثر العمليات حساسية في الدولة: ضبط وجود الأجانب المقيمين بشكل غير قانوني، ودمجهم في النظام البيومتري الوطني. وهي خطوة سيادية مشروعة، تأخرت سنوات، ثم جاء من يمتلك الشجاعة ليتحمل مسؤوليتها كاملة.

هذا الهجوم تقوده قوى ظلامية انفصالية وعنصرية، لا تخفى مصالحها على أحد. فهذه الجماعات ظلّت تستغل وجود الأجانب غير النظاميين لرفع شعبيتها الزائفة، وتضخيم حضورها الإعلامي المصطنع، وتقديم نفسها للعالم كأنها «المدافع الأوحد» عن الأقليات، في محاولة بائسة لتشويه صورة موريتانيا ووصمها بالعنصرية، وتصوير الدولة كأنها تخدم فصيلاً اجتماعياً واحداً. والحقيقة أن هذه الجهات لا تبحث عن العدالة ولا عن حقوق الإنسان؛ بل تبحث عن جمهور خارجي، وعن مادة دائمة لتأليب الرأي العام الدولي ضد بلدها.

وزير الداخلية تقدّم في هذا الملف عبر مسار قانوني واضح: دعوة مفتوحة للتسجيل ومنح مهَل كافية لتصحيح الوضعية، ثم المتابعة والمراقبة، ثم اللجوء إلى الإجراءات الردعية عبر الاعتقال والترحيل عند الامتناع التام عن التسجيل. وهي مرحلة طبيعية تحكمها كل التشريعات الدولية، لأن السيادة ليست موضوعاً للتفاوض، ولأن حماية المهاجر لا تعني أبداً تركه خارج أي إطار قانوني، بل تعني تنظيم وجوده بما يضمن حقوقه ويحمي المجتمع في الوقت نفسه.

لكنّ الحملة أخذت منحى خطيراً حين دخلت قناة الجزيرة على الخط بتقرير فاقد للمصداقية، اعتمد على شهادات مجهولة، ولم يقدّم دليلاً واحداً أو وثيقة واحدة تثبت مزاعم الرشوة داخل الجهاز الأمني الموريتاني. هذا الأسلوب لا يليق بقناة تدّعي المهنية، ويعيد إلى الأذهان ممارسات مماثلة في مرحلة التوتر بين موريتانيا وقطر، حين كان الهجوم الإعلامي على الدولة جزءاً من أجندة سياسية خارجية لا علاقة لها بالحقائق.

موريتانيا الأبية لا تقبل المساس بأمنها، ومؤسساتها لا ترضى التشويه، ووزير الداخلية يقوم بواجبه في حماية الحدود ومكافحة تهريب البشر والهجرة غير النظامية، في وقت تتزايد فيه المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون عند محاولتهم العبور عبر الأطلسي، وتطفو الجثث على السواحل كل يوم تقريباً. إن تنظيم وجود الأجانب ليس عداءً لهم، بل حماية لهم من شبكات الإجرام، واحترام لعلاقات الأخوة والصداقة مع بلدانهم الأصلية، وتطبيق لمعايير تُجمع عليها كل الدول التي تحترم نفسها.

النجاعة الأمنية والعسكرية التي اعتمدتها الدولة مؤخراً في ضبط الحدود لم تكن على حساب حقوق الإنسان، بل جاءت مكملة لها. فمن لا يسجّل نفسه ويظل مجهول الهوية هو أكثر من يتعرض للاستغلال، والعنف، والتعسف، والابتزاز، والخطر. بينما المسجل في نظام بيومتري وطني يصبح محمياً بالقانون، ويمكن للدولة أن تحافظ على سلامته وحقوقه وتدافع عنه إن تعرض لأي اعتداء.

المثير للسخرية أن الحملة بلغت مرحلة التهديد المباشر، حين ظهر مسئول الهجرة في حركة إيرا معلناً نية حركته لرفع شكاية ضد وزير الداخلية من طرف منظمات حقوقية تحاول ابتزاز الدولة وتحويل الملف إلى سوق إعلامي مفتوح. وهو تصريح غبي. 
والدولة لن تسمح لأحد – فرداً كان أو منظمة – أن يشوّه جهودها الوطنية أو أن يجعل من السيادة موضوعاً للمساومة.

موريتانيا دولة سيّدة، وقوانينها تُطبّق، وأمنها ليس موضوعاً للتفاوض. ومن يهاجم وزير الداخلية لأنه يُطبّق القانون، إنما يهاجم الدولة نفسها، وإن ظنّ أنه يهاجم شخصاً. والحق أن هذه الحملة لا تثبت إلا شيئاً واحداً: أن الإصلاح بدأ يؤلم الذين كانوا يستفيدون من الفوضى.

نواكشوط بتاريخ 19/11/2025

ذ/ محمد فاضل الهادي

19 November 2025