دراسة الشّاي….من أجلِ نقاشٍ عِلمي هادِئ…
- أولاً لاَ نشكُكُ فى مصداقيةِ الدِّراسة ولا النخبةِ الّتي وراءَها كما لا نُشَككُ فى مصداقية المُختبر الذي أنجزَ الدراسة [phytocontrol] فهذا المجال اختصاصه وعليه كينونته وصيرورته- أي المبيدات والكيماويات الزراعية والغذائية لضمان سلامة المياه والأغذية، ولكنّ دراسةً بهذا الحجم قد تترتبُ عليها نتائج مهمة لا بد من أن تُمَحَّصَ وتناقشَ نقاشاً عِلمياً مستفيضاً كما هو معهود فى عُرفِ المعاهد والجامعات العلمية العَريقة من قِبلِ أكاديميين وأساتِذة مَرَدُوا على البَحث العِلمي فى ما يُسَمّى في اصطلاح البحثِ العلمي المبني عل أسس سليمة ب( Peer review) قَبل أن تُجَازَ لِلنشر ولا يُمكنُ استنتاج توصياتٍ من خلالِ دراسةٍ واحدةٍ مهما كان إتقَانُها وخُلُوّها ممّا يُسَمى اصطِلاحاً بِالتّحَيّزات (biases) أي النقائص الّتي تُؤثر فى مصداقيةِ النتائج
- نَصَّت الدّراسة أو سَمّت بالتّحديد-ثلاثَ مُبيداتٍ -تَجاوزَت الحَدّ المَسموحَ به بدرجة كبيرة تراوحت مابين 200-11000% حسبَ الدّراسة فى عشر عيناتٍ من أصلِ عشر وهي ( Chlorpyrifos, Cyhalotrine و Tolferipyrad) -
-لكنَّ هذه المبيدات الثلاث صَنَّفَتها وكالة حماية البيئة الأمريكية ومكتب برامج مبيدات الآفات وتقييم المواد الكيميائية فى تقريرها السّنوي للآثار السرطانية لسنة 2020 Cancer Annual Report على أنها غير مسرطِنَة ولا تحملُ خَطَرَ الإصابةِ بالسّرطان وذالك بعد تجارب مُضْنِية ولفترة طويلة على الحيوانات وصَنّفَتها فى مجموعة D أو مجموعة E باعتبار أنه ثبت أنها لا تسببُ السرطان
[Evidence of Non-Carcinogenicity in Humans]
-وَيُمكِن الإطلاع على التقرير وعلى جميع المبيدات وتأثيراتها الصّحية على موقِع وكالة حماية البيئة الأمريكية [US. Environmental Agency]
http://npic.orst.edu/chemicals_evaluated.pdf
- هذا لا يُقَلّل من الآثار الصّحِيةِ الأخرى لهذه المبيدات طَبعاً لكن لايصلُ لدرجةِ التّهويل دونما إثبات
-لا يخفى على أهلِ الإختصاصِ فى الصّحة الغذائية أن هُنَاكَ دراسات أثبتت أنّ بعض المبيدات من فصيلة(organophosphate) غير المذكورة فى التقرير تَسَبّبَت فى إصابَةِ المُزَارعين بسرطان الغدد الليمفاوية (Non-Hodgkin Lymphoma) لكن تلك الدراسة كانت على المزارعين- أنفسهم -العاملين فى الحقول، وأثبتت الإصابَةَ المُباشِرة بنوعٍ مخصوص من سرطان الغدد الليمفاوية ولا يمكن أن يُقاسَ عليها إذ هو قياسُ مع وجودِ الفارقِ والكميات التي يتعرضُ لها المُزَارعون لا يمكن أن تُقارنَ بتلك التي تَعلقُ أو تبقى فى المحصول الزراعي أيَّا كان
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/28810201/
-الإرتباطُ لا يعني السّبَبية -(Association is not causation)هذا حَتّى إن ثبتَ الإرتباط [قاعدة فى البَحث العِلمي]
-فَمن أجل إثباتِ السّبَبِية وليسَ فقط الإرتباط لا بُدّ من القيامِ ببحوث أكثر عمقاً ولا بُد أن تشمَلَ الدّراسَة المرضى المُصابين بالسرطانِ أنفسِهِم لمعرفة مدى نسبة الخطر الذي يُسَبّبه (الشاي) بالتحديد وكمّيته والمدة الزّمنية، وماهي نوعية السرطان الذي يُسَبّبُه أي بعبارةٍ أخرى ما هي الجينات المُسَرطِنة بالتّحديد التي يثيرها ويحولها من حالة خُمول إلى حالةِ نشاط ناهِيكَ عن ماهو السرطان الذي يُسببه وهل الشاي مثَلاً هو المُسَبّبُ الوَحيد أو الأساسي له دونَ العوامل الأخرى الداخلية والبيئية الخارجية.
- من ناحيةٍ أخرى حَبَّذا( بِمَعنى كَانَ لِزاماً)لو كانت هناك عَيّناتُُ أخرى (موازية) أُخِذت من المَصدَرِ الأم أي من المُوَزّعْ الرّئيسي الذي يتعَامَلُ معه أغلبُ المُوَرّدِين فى البَلَدِ المُصَدّر [الصّين] حيثُ تُنتَجُ وتصَدّرُ هذه الأنواع من الشاي حتي تكون هذه المجموعة الأخيرة هي (الذّراع المُنَظِّم -Control Group) كمَا هُوَ مُتعاهدُُ عليه فى مثل هذه الدراسات حتى تسْهُلَ المُقارنَة بَينَ ذِراعين متوازيين [2armed parallel design] وإلاّ كَانَ تَحَيّزا (Biase) أي قَدحاً فى تصميمِ الدراسةِ -فالهَدَفُ يجبُ أن يكونَ المُقارَنة بين منتَجِ الشاي الذي يأتينا(موضوع الدّراسة) والآخر الذي يستهلكُه البلد المُصَدّر وبقية العَالم - وعلى ذالك يتغير الإستنتاج وإسقاطاتُه لأن العَيِّنة من الجِهتين (المُنتَجُ-الشاي- والمُسْتَهلِك)أكبر بكثير وهذا أيضاً معروفُُ فى البَحثِ العِلمي بتأثير حجم العَيّنة [Sample Size] وهو مَايُحدّدُ القُوّة الإحصائية للدّراسَة [Statistical Power of the study]
الذي يعتمدُ على عاملين أحدها حجمُ العَيّنة كما أسلفنا والعاملُ الثاني حجم التأثير [Effect-size] وهو الفرقُ فى النّتيجةِ بَينَ المجموعَتين [The difference in the outcomes between two groups]
- وزيادةً على ماتقدّم فمن المعلوم لأهل الإختصاص درجاتُ السّلّم والآليةِ الّتِي تَتّخِذها المؤسسات العلمية ذات المصداقية فى تحليلها للدراسات العلمية من أجلِ الإعتدادِ بتائجهَا فيما يُسَمى ب Evidence based medicine أو الطّب المُستند أو القائم على الأدلة العلمية، ومعروفُ أن فى أدنى السّلم المُعتمد تأتي دراسات المُلاحظة (Observational studies) ومايسمى بالتّحليلات البعيدة أو Meta-analysis
-فهذه الدّراسة حسبَ المُعطيات آنفةِ الذِّكر -حتّى وإن تجاوزنَا ما شَابَها من نقائص(biases)لا يُمكِنُ أن تُبنى عليها توصيات نِهائية دون تكملتها بدراساتٍ أخرى ناهيك عن أنها لم تَصِل إلى إثباتِ الإرتباطِ بين الشاي وأي نوعٍ من أنواعِ السرطان، والإرتباطُ كما أسلفنا لا يعني السّبَبية ولا علاقةَ له بِهَا
- كلُّ ما سَبَقَ لا يعني أنَّنا لا نُثَمنُ الجهدَ المُضني وَنُبلَ المَقصَدِ والدّقة العلمية فى الدراسة اللّتي أنجزت بل على العكس نثمّنُها ونأمل أن تكونَ بداية ومنهاجاً لدراساتٍ وبحوثٍ علمية رصينَة ومُعَمّقة، أي بِلغةِ أو مصطلَح البَحث العِلمي نعتبرها (إشارة إيجابية)(Positive Signal)وخيط فى الإتجاه الصّحيح يُمكنُ أن يُبنى عليها إلاّ أننا نطلب التّأنّي فى قراءتِها وتحليلها تحليلا علمياً قبل الحكم على نتائجها
كَما لا يَعني أيضاً ألاَّ نأخذَ الحذر وألا تقوم الجهات المختصة السّاهرة على سلامة المواد الغذائية المستوردة -بمافيها الشاي- بِمَايَلزم للتأكد من سلامَةِ المنتَجِ الغذائي المُسْتَهلك ووضع قوانين صارِمة من أجل الحفاظ على صحة المواطنيين، بل على العكسِ تَماماً
خِتَاماً ليسَ هذا تَرجيحاً لكفّةٍ دونَ أُخرى ولا هُوَ محاولةُُ لضحضِ استنتاجٍ أو استصدارِ آخر فذاك من شأنِ الهيئات والمؤسسات العِلميةِ ذاتِ المِصداقية الدّوليةِ المُخوّلَةِ قانونياً وعلمِيّاً بذالك [فالعُرفُ السّائدُ غالِباً أنّ الدّراسَةَ ومُعِدّيهَا إنَّمَا يضعونَها بَينَ يَدَي هاتهِ الجهاتِ المُختصّة وَحَسْبْ] والّتي غالِباً ما تعتمدُ على عدة دراساتٍ وبحوثٍ بعد تمحيصِها-ومن ثَمّ عرضِها على لجنةِ خُبَرائها قَبلَ إصدارِ أيّةِ توصِيّات نهائية بشأنها (Guidelines-Recommendations)
فهذا الحديثُ إذاً إنّما هو كما أسلفنا لايعدو كونه نقاشاً علميا هادئاً….
وللمُختَصّين فهذا رابِطُ مقالٍ نُشرَ مؤخراً فى مجلة الطب البيئي والمِهني يستعرُض العلاقة بين السرطان والتعرض المِهني أو غيره لبعض المبيدات
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC8238729/pdf/420_2020_Articl...
د الشيخ احمد ابو المعال