إنقلابات القارة الأفريقية.. الفاعلون والخلفيات والسيناريوهات المحتملة

منذ العام 2020 والقارة الأفريقية تعيش موجة انقلابات عسكرية غير مسبوقة، أمتدت من الساحل إلى غرب القارة الأفريقية، الأمر الذي أعاد القارة إلى مربع “عدم الاستقرار البنيوي” وأفرزت العديد من الأسئلة عن منظومات هذه الدول ومدى قوتها وقدرتها على البقاء والاستمرار، وعن أبعاد التدخّل الخارجي في هذه القارة المهمة.
أولاً: ابعاد المشهد الإنقلابي في أفريقيا
يمكن القول أنه ومنذ العام 2020 شهدت القارة الأفريقية تسع عمليات انقلاب عسكري، نجح سبعة منها في الإطاحة بالسلطة فيما فشلت الانقلابات في (الكونغو الديمقراطية وبنين وسيراليون)، وبطبيعة الحال فإن هذه الإنقلابات تعكس الكثير من الحقائق على الأرض، منها:
- تراجع ثقة الشعوب في الحكومات المدنية، بالتالي كان الجيش غطاءً اجتماعياً جيداً.
- حالة الغليان التي باتت تسيطر على الجيوش الأفريقية.
- ارتفاع مؤشرات الصراع الدولي على القارة الأفريقية.
وبطبيعة الحال يبقى ضعف المؤسسات السياسية الرسمية في الدول الأفريقية العامل المسبّب لأغلب الإنقلابات في القارة السمراء بسبب عدم قدرة النظام على خلق آلية للتداول السلمي للسلطة، فالانتخابات في الغالب هي عملية شكلية غير حقيقية ما يدفع الجيش للتحرك وممارسة دور “المنقذ”.
وفي الآونة الأخيرة توسّع نشاط الجماعات المسلحة في الساحل الأفريقي، كتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، الأمر الذي وسّع دور الجيش في هذه الدول كونه المؤسسة المعنيّة بمواجهة تلك الجماعات.
ويعاني اقتصاد الدول الأفريقية من مشاكل اقتصادية عميقة، إذ تعاني عملات أغلب الدول الأفريقية من تدهور قيمتها، كما ترتفع الأسعار وتتفشّى البطالة في هذه البلدان وتتزايد الهجرة غير القانونية، كل ذلك خلق حالة من الغضب الشعبي التي كثيراً ما يستغلها العسكريين.
ثانياً: الأدوار الخارجية
مما لا شك فيه أن حالة التنافس الدولي ما بين الدول الكبرى أفرزت صراعاً دولياً داخل القارة الأفريقية، فهناك روسيا التي باتت لاعباً يتصاعد تأثيره في الآونة الأخيرة مستثمراً الشركات الأمنية في تعميق دوره في دول القارة، لاسيما وأنها تقدم بدائل أمنية رخيصة.
بالمقابل بات النفوذ الفرنسي في حالة من التراجع في الآونة الأخيرة، يقابله تصاعد النفوذ الصيني.
هذا التباين بين أدوار القوى الكبرى في القارة الأفريقية يراه كثير من المراقبين سبباً في تحركات المؤسسة العسكرية في افريقيا لإحداث تغييرات سياسية تعكس مصالح هذه القوة أو تلك.
ثالثاً: القوى الفاعلة
بالبحث عن القوى الفاعلة في المشهد الأفريقي والتي تؤثر على الحياة السياسية في هذه القارة ومدى استقرارها، فإنه بالإمكان حصر هذه القوى بالآتي:
- المؤسسة العسكرية: فالجيش غالبًا هو اللاعب المركزي، مستفيدًا من التصدعات بين الحكومة والمعارضة، ومن ضعف الانضباط السياسي.
- النخب التقليدية: والتي تلعب دوراً في التحشيد للتغيرات السياسية، بما يعزّز تحركات القوى العسكرية ويقوّي قدرتها على التحرّك ضمن المؤسسات التي تقوم عليها الدول الأفريقية.
- القوى الدولية؛ متمثلةً بـ(روسيا، فرنسا، الولايات المتحدة، الصين).
- الجماعات المسلّحة والمصنّفة دولياً كجماعات “إرهابية” كتنظيمي القاعدة وداعش.
الواقع الذي أفرزته تلك الإنقلابات توزّع بين نتائج داخلية وخارجية، فعلى المستوى الداخلي وكعادة الإنقلابات العسكرية اتجهت قوى التغيير الجديدة نحو إلغاء الدساتير وتأجيل الانتخابات مع إقرار مجموعة من القرارات الجديدة بهدف التضييق على الإعلام والمعارضة.
أما أثر الانقلابات العسكرية على العلاقات الإقليمية والدولية لدول القارة، فإن دول الساحل باتت اليوم تتمتع بشراكة أمنية مع روسيا بعد أن كانت الأنظمة السياسية السابقة متحالفة مع الغرب، فيما شهدت القارة الأفريقية ارتفاعاً في معدل العمليات الإرهابية بفعل حالة الفراغ الأمني التي باتت تعانيها القارة.
فدولتي (مالي ، بوركينا فاسو) شهدت تحولاً في علاقاتها الاستراتيجية بعد الانقلاب العسكري في البلدين وانتقالاً من التحالف مع فرنسا إلى الشراكة مع روسيا، كما شهدت (النيجر) تراجعاُ في علاقاتها مع الغرب بعد الانقلاب العسكري فيها، لتتجه نحو التحالف مع الصين وروسيا.
خلاصة المشهد الإفريقي، أن الأزمات الهيكلية في أنظمة دول القارة ما تلبث أن تهيّئ الأجواء لوقوع الإنقلابات في هذه الدولة أو تلك، وهو ما يعيد رسم علاقة هذه الدول مع غيرها من الدول لاسيما الدول الكبرى التي لها مصالح كبيرة في القارة السمراء.
