خطاب رئيس البرلمان.. عندما توضع اليد على مكمن الداء
حمل خطاب رئيس الجمعية الوطنية، السيد الشيخ ولد بايه، في اختتام الدورة البرلمانية الأخيرة، رسائل عميقة للنخبة وللقائمين على الشأن العام، في البلد لما تضمنه من مفاهيم ومقاربات لمعالجة الخلل الإجتماعي الذي اعاق مسيرة الدولة الحديثة، ونبذ الطبقية والجهوية والعصبيات البغيضة، التي لاتنتمي للزمن الثقافي والسياسي الذي نعيشه.
تساؤلات الرجل التي أطلقها حول دور النخب في تكريس الولاءات الفرعية، وإحياء الزعامات القبلية والجهاتية، بل وحتى توظيف الدين ومقتضيات الشرع الحنيف لكسب منافع سلطوية وأخذ مكانة غير مستحقة، ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد وأن تجد آذانا صاغية، وأن ينصب تفكير الأطر والمفكرين وقادة الرأي في هذا البلد لإنضاجها في صيغة مفاهيم تؤسس لمرحلة جديدة تُعلي من قيم المواطنة وتحض على نبذ التفرقة أيا كان لبوسها، وتجعل من مبدأ الكفاءة والمساواة بديلا لكل تلك العقليات البائدة التي تؤخر ولاتقدم.
ببساطة مهّد هذا الخطاب وقبله خطاب رئيس الجمهورية في وادان، الأرضية لنقاش هادئ وبناء حول المسألة الوطنية وقضايا التعايش والإرث الإنساني والطبقية، بعد أن وضعا اليد على مكمن الداء، وبيّنا رسميا، بأن الدولة قد سئمت تلك العقليات ومن يقتاتون عليها.
لقد أصبح من الضروري أن نخرج من ذلك البعبع، بحلول ناجعة تصب في تعزيز اللحمة والتآلف الوطني وتدعو الجميع إلى كلمة سواء "أن لاسبيل للنهوض والتعمير وتحقيق التنمية إلا بهدم الصور النمطية التي تمجد تراتبية الماضي السحيق من الذاكرة الجمعية"، والانطلاق معا نحو فضاء الدولة المدنية الأرحب الذي يرتكز على أسس وطنية سليمة لااعوجاجَ فيها.
إن رئيس البرلمان وهو يعي جيدا، خطورة الاستمرار، حدّ التمادي في تمجيد القبيلة ومحاولة إرضاخ الدولة للمحاصصات الاجتماعية والجهوية، ليدرك تماما بأن الوعي الجمعي بمشكلات الدولة المدنية الحديثة لا يمكن أن تعالج بدون سحقِ تلك العقليات ومحوها نهائيا من الذاكرة سبيلا لإيجاد إدارة وطنية قادرة على رفع كل التحديات.
لقد اثبت السيد الشيخ ولد بايه، أنه رجل دولة بإمتياز وأبانَ عن غيرة وطنية لا تخطئها العين، سواءا بجهوده في دائرته الانتخابية وامتداده السياسي في شمال البلاد، أو بسيعيه الدائم في أن تجد موريتانيا نخبة وطنية مستقلة بعيدة عن الانتماءات ذات الطابع الفئوي و العرقي، مؤمنة بأن بلدها ثري بتنوعه وقوي بتلونه إن وضعت الأمور في نصابها، فكلنا مواطنين بنفس الدرجة، لا وجود لتفاوت بيننا إلا على اساس خدمة الوطن ومواطنيه.
لبجاوي