متحدث فرنسي: مرتزقة فاغنر سيكررون سيناريو سوريا وأفريقيا الوسطى

لقد تم إضعاف الجماعات الإرهابية، تكبدت خسائر فادحة لكنها لم تختفِ.. ستبقى فرنسا معكم" بهذه الجمل أعلن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بدء عملية برخان في فبراير 2013 بالعاصمة المالية باماكو.

 

 

 

ورحبت حكومة مالي آنذاك بالقوات الفرنسية واعتبرتها "المنقذ الملتزم" بمكافحة الإرهاب في البلاد، ومنذ ذلك الحين توجد فرنسا في منطقة الساحل.

 

 

 

وفي الثاني من فبراير الجاري ودع السفير جويل ماير مقر السفارة الفرنسية في باماكو بعد أن منحه الجنرالات الماليون 72 ساعة للمغادرة، لتكون الخطوة الأخيرة لانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين قصري الإليزيه وكولوبا.

 

 

 

انسحاب محتمل

 

يرى البعض أن غياب الاستقرار في منطقة الساحل والإخفاق في وضع حد للهجمات الإرهابية جعلا القوات العسكرية الأجنبية في موقف محرج، بما في ذلك عملية برخان، والخوذ الزرقاء من مينوسما، وبعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية في مالي، وأخيرا قوات "تاكوبا" الأحدث التي جمعت القوات الخاصة من البلدان الأوروبية.

 

 

 

ونتيجة لذلك، انهار الصرح السياسي بأكمله، وهو ما قد يفسر سبب ترحيب المواطنين بالانقلابات العسكرية المتكررة في مالي، ومؤخرا في بوركينا فاسو، حيث يكون الجيش "الملاذ الأخير" عندما تختفي الثقة بالدساتير والرؤساء المنتخبين.

 

 

 

وكان هذا جوهر الجدل الذي انعكس في الخلاف حول "الشرعية" الذي أطلقها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الشهر الماضي.

 

 

 

وفي حديث خاص للجزيرة نت، قال المتحدث باسم وزارة القوات المسلحة الفرنسية إيفريه غراندجون إن "وجود مجموعة فاغنر ليس مرتبطا بمحاربة الإرهاب وإنما لمساعدة المجلس العسكري على البقاء في السلطة منذ انقلاب أغسطس 2020".

 

 

 

ويرجح غراندجون أن فاغنر ستعيد صياغة سيناريو مماثل لما حدث في سوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث قامت بعمليات اغتصاب وانتهاكات للسكان ونهب الموارد المعدنية، مؤكدا أن "مالي تريد سيادتها، لكنها ستقطع شوطا طويلا للحصول على ذلك في ظل وجود المرتزقة الروس على أراضيها".

وقد ساهم إنشاء مجموعة فاغنر بدعوة من باماكو في ارتفاع وتيرة التوتر وتزايد التساؤلات حول مصير 2500 جندي فرنسي في مالي يشاركون في عملية برخان التي تضم 5 آلاف جندي في الساحل.

 

 

 

وحول هذا الأمر، أشار المتحدث باسم الوزارة إلى أن فرنسا لا تزال في مرحلة التشاور مع شركائها الأوروبيين والأفارقة لإيجاد أفضل السبل لمواصلة الحرب ضد الإرهاب ومنع منطقة الساحل من أن تصبح ملاذا للجماعات المسلحة.

 

 

 

وقال "حربنا لا تقتصر على مالي فقط، وقوة برخان لا تزال موجودة في قاعدة نيامي في النيجر وفي نجامينا في التشاد، فضلا عن غاو في مالي، عملياتنا تجري في جميع أنحاء منطقة الساحل التي تبلغ مساحتها 10 أضعاف مساحة فرنسا".

 

 

 

وأضاف غراندجون "التقت وزيرة القوات المسلحة فلورانس بارلي بالرئيس محمد بازوم في النيجر، والذي يعتبر حليفا مهما لفرنسا وبلدا ساحليا إستراتيجيا، وننسق حاليا مع السلطات النيجيرية لمواصلة هذه المعركة".

 

طلاق دبلوماسي

 

قام المجلس العسكري الحاكم بإصدار قرارات عديدة في الفترة الأخيرة، كان من بينها مطالبة الدانمارك بسحب 100 من رجالها، معظمهم من جنود النخبة والجراحين العسكريين سبق أن وصلوا إلى البلاد للمشاركة مع قوات تاكوبا في المنطقة الحدودية الثلاثية بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

 

 

 

وفي سياق الأزمة الأمنية والسياسية التي هزت مالي لسنوات، أتى طلب انسحاب هذه الوحدة الدانماركية في خضم مواجهة بين المجلس العسكري وجزء من المجتمع الدولي الذي يعتزم الحفاظ على التزامه بإعادة السلطة إلى المدنيين في المستقبل القريب.

ثم تدهورت العلاقات مع فرنسا التي انخرطت عسكريا منذ عام 2013 بشكل حاد بعد طرد سفيرها من باماكو، وهو قرار وصفه غراندجون بأنه يدخل ضمن قرارات أخرى "تظهر أن باماكو تضع نفسها على هامش المجتمع الدولي، وهو ما يجعل الحوار صعبا للغاية، ليس بين فرنسا ومالي فقط، بل بين مالي والمجتمع الدولي".

 

 

 

ومنذ أن فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" (ECOWAS) عقوبات قاسية على مالي في 9 يناير بدعم من فرنسا وشركائها رد المجلس العسكري بطرد ممثلي المجموعة قبل بضعة أسابيع، الأمر الذي دفع الدول الأعضاء إلى سحب سفرائها من باماكو.

 

 

 

ويتزامن هذا الطلاق الدبلوماسي -الذي جاء بعد 9 سنوات من محاربة "الجماعات الإرهابية" بنتائج متباينة- مع أسوأ فترة يمر بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خضم حملة الانتخابات الرئاسية والانتقادات التي تطال إدارته في أزمات داخلية وخارجية أخرى.

 

مخاوف الماليين في فرنسا

 

وتسببت العلاقة العاصفة بين باماكو وباريس بالغضب وعدم الشعور بالارتياح من قبل الجالية المالية في فرنسا البالغ عددها حوالي 350 ألف مالي والتي تعتبر أقل دعما للسلطات الانتقالية، بحسب رئيس المجلس الأعلى للمغتربين الماليين في فرنسا بادي درامي.

 

 

 

ويقول المتحدث باسم المجلس لوران سانغاري للجزيرة نت إن "أعضاء الجهات التي تحكم مالي تدربوا في السابق على يد الاتحاد السوفياتي، وكانوا ضمن الحزب الواحد الذي حاربناه قبل 30 عاما، وبالتحديد في عام 1991، واليوم يستغلون تزعزع الاستقرار الأمني وعدم وجود نتائج ملموسة من جانب الجيوش الفرنسية للتلاعب السياسي والتعاون مع المرتزقة الروس".

 

 

 

بدوره، اتهم رئيس الوزراء المالي تشوغويل كوكالا مايغا أمس الاثنين فرنسا بالعمل على تقسيم بلاده، وهاجمها لأكثر من 45 دقيقة أمام دبلوماسيين تجمعوا بناء على طلب منه في باماكو، بدون أن يذهب إلى حد مطالبة باريس بشكل صريح بسحب قواتها بقيادة برخان.

 

 

 

ويعتقد سانغاري أن الوضع الذي وصلت إليه مالي ليس ذنب فرنسا وحدها، ولكن بسبب فشل الجيش المالي في مواجهة "الجماعات الإرهابية"، معتبرا أن "المجلس العسكري لا يعرف أنه يلعب بالنار، وأن انسحاب القوات الأجنبية سيخلف فراغا كبيرا لأنه لا يمكن الاعتماد على مجموعة فاغنر للحفاظ على أمن وسلامة البلاد".

وذكر الصحفي والمؤلف المشترك في كتاب "الفخ الأفريقي لماكرون" أن المجلس العسكري دفع فرنسا لارتكاب الأخطاء، مما يثير التساؤل عما إذا كان سيتعين على باريس التكيف مع الوضع الحالي الجديد؟ أم أنها ستتبع إستراتيجية مختلفة للحفاظ على وجودها في منطقة الساحل وعلاقاتها مع مستعمراتها الأفريقية السابقة؟

 

 

 

 

9 February 2022