الدبلوماسية العسكرية الروسية في إدارة الازمة الأوكرانية وإفرازت ولادة نظام عالمي جديد يُخرج واشنطن من التفرد العالمي/حسناء نصر الحسين
أثار اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودوناتيسك عن الدولة الأوكرانية ردود فعل دول حلف شمال الأطلسي حيث شرعت اعداد منها وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا بطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي لمناقشة مسألة هذا الاعتراف الروسي في محاولة لاستخلاص قرار يدين روسيا الاتحادية ويعرقل سير حياة الجمهوريتين الجديدتين من خلال فرض عقوبات اقتصادية على كل منهما .
لم يكن اعتراف الرئيس الروسي بهذا الاستقلال حدثا عاديا تنحسر تبعاته عند حدود الجمهوريتين الجديدتين بل تعدى خطاب الاعتراف هذا أبعد من هذا بكثير ليصل الى عالمية عرش واشنطن وتزعزع استقرار هيمنته لعقود مضت .
في هذا الخطاب الذي من خلاله تم الاعتراف رسميا بهذا الاستقلال يكون الرئيس الروسي قد قدم فصل الخطاب بالرد على كل اعمال واشنطن وحلفائها الغربيين الذين حاولوا مرارا وتكرارا النيل من كرامة روسيا بعدة استفزازات والتي لم يكن اولها تغيير الرئيس الاوكراني الموالي لروسيا عام ٢٠١٤ وما نتج عنه من دعم عسكري للنظام الجديد وميليشياته المسلحة التي تشرف عليها واشنطن بزعامة زيلينسكي الرئيس الحالي لأوكرانيا وما نتج عن هذا التدخل الامريكي الغربي وانعكاساته على أمن واستقرار روسيا الاتحادية في مجمل دول الاتحاد السوفياتي السابق .
حاولت واشنطن بعد ما منيت به من هزائم في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في سورية والدور البارز الذي لعبته روسيا في افشال مخططات واشنطن ، في هذه المنطقة من بوابة دمشق ان تعيد موسكو الى التموضع بين الجبال الجليدية وابقائها غارقة في صقيعه بعد ان تنبهت للعودة الروسية القوية للمياه الدافئة حيث صناعة اللاعبين الدوليين والقوى الكبرى والعظمى .
من هنا رأت المؤسسات الأمريكية المهيمنة على قرارات الساسة الأمريكان بوجوب الاستدارة نحو دول جنوب وشرق أسيا لمقارعة موسكو واعادتها الى مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي ، لما تشكله من خطر على السياسات الامريكية الغربية من البوابة الأوكرانية عبر محاولات استفزاز متكررة ومناورات وتموضع لقوى حلف الناتو في دول مجاورة لروسيا وفي هذا خرق فاضح للمعاهدات الامريكية الروسية السابقة والتي كان اهمها عدم توغل حلف الناتو قيد أنملة في الدول التي كان يشكلها الاتحاد السوفياتي ، فهذه التدخلات والخروقات وعدم التزام واشنطن بتعهداتها مستخدمة سياسة القوة الفائضة وسياسة الغطرسة الأمريكية مستخدمة ورقة الجغرافية السياسية المجاورة لروسيا ، ليأتي رد موسكو وبعد توترات دامت عدت شهور بتمزيق الجغرافية المزيفة التي فرضتها القوة الاستعمارية الامريكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واعادتها الى مسارها الصحيح ، ومن خلال التصحيح هذا تكون روسيا قد اعلنت عن ولادة نظام عالمي جديد لن تكون فيه واشنطن قوة منفردة فموسكو التي قابلت القوة بالقوة عبر المناورات الضخمة في المتوسط واستطاعت فك الطوق الناري الذي فرضته عليها واشنطن والغرب ببناء القواعد العسكرية الروسية خلف القواعد العسكرية الامريكية والقواعد العسكرية التابعة لحلف شمال الاطلسي ، ونجحت في تمزيق الخرائط الاستعمارية واعادتها الى نصابها الصحيح من خلال الاعتراف الروسي باستقلال الجمهوريتين .
وضعت موسكو بهذا الاعتراف واشنطن والدول الغربية ومعهما كل من تركيا ودويلة الكيان الاسرائيلي على حافة الهاوية ، فلم تتخذ قرار الاستقلال هذا الا بعد دراسات عميقة لكل الاحتمالات التي قد تنتج عن واشنطن وحلفائها وأعدت العدة بكل متطلباتها العسكرية والامنية والسياسية لمواجهة مستجدات الايام القادمة والتي يبدو من خلال تصريحات حلفاء أمريكا اسرائيل وتركيا وما سبق هذا الاعتراف بحراك دبلوماسي تركي – اسرائيلي وما تبعه من تصريحات لكلا الجانبين تندد وتدين الاعتراف الروسي بهذا الاستقلال وضعهما في الخندق المعادي لروسيا ، وهذا سيضعهم أمام استحقاق روسي سيتم الرد عليه في عدة جبهات ستكون سورية اولى هذه الجبهات التي نأمل من خلالها ان تمزق جغرافية الاستعمار ويعاد للجغرافية السورية خطوطها الذهبية بإلغاء خطوط الاستعمار .
وفي الخلاصة : بوتين كتب فصل الخطاب واعلن عن انتهاء صلاحية الاحادية القطبية ، من خلال استعادة الجغرافية السياسية لبلاده ، فهل نستطيع نحن الشعوب العربية الاستفادة من ما يجري حولنا في البنية
الدولية وتسخير هذه المتغيرات لصالح اوطاننا ونستعيد الخارطة الوطنية الذهبية ونمحي كل أثر لخطوط الاستعمار ؟
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق