العلاقات الموريتانية المالية في الأيام الماضية شهدت هزة علي أثر إختفاء موريتانيين

شهدت العلاقات بين نواكشوط وباماكو، مؤخراً، هزة قوية على خلفية اختفاء عدة موريتانيين في الأراضي المالية وسط أنباء تفيد بمقتلهم، في وقت تدور فيه محاولات لرأب الصدع بين البلدين الجارين.

 

وفي 7 مارس الجاري، أعلنت السلطات الموريتانية أنها تتابع معلومات عن فقدان الاتصال بموريتانيين (لم تحدد عددهم) في مالي، وذلك بعد يوم واحد من تصريحات للنائب الموريتاني محمد محمود ولد حننا لموقع "الأخبار" قال فيها إن "نحو 15 موريتانياً قُتلوا جراء استهدافهم داخل مالي".

 

فيما قال سكان محليون: إن العدد يفوق ذلك بكثير وإن ما لا يقل عن 30 موريتانياً قتلوا في مالي الأسبوع الماضي.

 

ويأتي هذا الحادث بعد أقل من شهرين على مقتل 7 موريتانيين داخل الأراضي المالية، وفق ما أعلنته الرئاسة الموريتانية في يناير الماضي، من دون تحديد الملابسات، في وقت تنفي فيه باماكو أي مسؤولية لجيشها بشأن هذه الهجمات.

 

ولا تُعرف الدوافع والأسباب الحقيقية وراء هذه الحوادث، لكن مراقبون يرجعونها إلى حالة الانفلات الأمني الذي تشهده مالي.

 

** غضب نواكشوط

هذه الحوادث أثارت غضب نواكشوط، ودفعت خارجيتها، في 8 مارس الجاري، لاستدعاء سفير مالي لديها محمد ديباسي.

 

وقالت الوزارة، في بيان: إنها "أبلغت السفير المالي احتجاجاً شديد اللهجة على ما تكرر في الآونة الأخيرة من أعمال إجرامية تقوم بها قوات نظامية مالية على أرض مالي بحق مواطنين موريتانيين أبرياء".

 

وأضافت أن نواكشوط وجهت "في مناسبة سابقة وفداً رفيع المستوى إلى جمهورية مالي، في محاولة لاحتواء هذا السلوك العدائي تجاه مواطنينا".

ونوهت الوزارة بأنه "رغم التطمينات التي صدرت عن السلطات المالية، فإن مستوى التجاوب لدى المسؤولين الماليين، على المستويين المركزي والإقليمي، مع نظرائهم الموريتانيين ظل دون المستوى".

 

 

 

وأكدت الخارجية الموريتانية أن موقف نواكشوط "مؤسس على اعتبارات أخوية وإنسانية ومراعاة لأواصر التاريخ والجغرافيا (الدولتان جارتان)".

 

 

 

لكنها شددت في الوقت نفسه على أن "أرواح مواطنينا الأبرياء وأمن ممتلكاتهم ستبقى فوق كل اعتبار".

 

 

 

ولا تتوفر أرقام رسمية عن عدد الموريتانيين في مالي، لكن تقارير غير رسمية تقدرهم بالآلاف، في وقت يتنقل فيه غالبية سكان المناطق الحدودية يومياً بين البلدين.

 

 

 

** وفد لاحتواء الأزمة

 

الحكومة المالية بادرت بإرسال وفد رفيع المستوى يرأسه وزير الخارجية عبد الله ديوب، إلى نواكشوط يومي الجمعة والسبت، وأجرى لقاءات مع مسؤولين موريتانيين؛ بهدف احتواء الأزمة.

 

 

 

وحسب بيان صدر في ختام هذه اللقاءات، أكد الجانب الموريتاني أن مواطنيه بالأراضي المالية "يواجهون منذ بعض الوقت عمليات اغتيال وخطف مأساوية غير مقبولة".

 

 

 

من جهته دعا الوزير ديوب في تصريح له بختام الزيارة، إلى الحذر "تجاه أعداء العلاقة الودية والأخوية بين مالي وموريتانيا" دون أن يحددهم، مطالباً بـ"إحباط كل مخططاتهم".

 

 

 

وقال، إن "الشعب المالي ليس عدواً للشعب الموريتاني، والشعب الموريتاني ليس عدواُ للشعب المالي، عدونا هو الإرهاب، وغياب الأمن والجريمة".

 

 

 

وعبر عن أمله في أن الأحداث الأخيرة حصلت "في سياق جيو سياسي وأمني إقليمي مقلق جداً، وفي ظل خضوع مالي لعقوبات لا إنسانية وظالمة وغير قانونية، مفروضة من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا".

 

 

 

ويوم 9 يناير الماضي فرضت إيكواس" عقوبات على مالي خلال قمة استثنائية في عاصمة غانا أكرا، عقب اقتراح المجلس العسكري الحاكم في باماكو، فترة انتقالية مدتها 5 سنوات؛ لتأسيس أجواء مناسبة لإجراء انتخابات في البلاد.‎

وأضاف ديوب أن الاعتداء الذي تعرض له موريتانيون مؤخراً "حدث خطير، وتطور مقلق جداً بالنسبة لنا، ولهذا أوفدنا الرئيس (المالي) إلى نظيره الموريتاني، بروح أخوة، من أجل فهم ما حصل، وللتعبير عن الأسف وإبداء التعاطف مع الرئيس والحكومة الموريتانيين، وأسر الأشخاص المعنيين".

 

 

 

** لجنة تحقيق مشتركة

 

ومساء السبت اتفق البلدان على تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في اختفاء الموريتانيين بالأراضي المالية.

 

 

 

ووفق بيان صدر في ختام زيارة الوفد المالي فقد تقرر تشكيل "لجنة مشتركة مؤقتة لكشف الحقائق، تكلف بتسليط الضوء على الأحداث الأخيرة، وتمارس مهمتها في أقرب الآجال".

 

 

 

ووفق البيان فقد اتفق الجانبان أيضا على "إبلاغ الجانب الموريتاني في أقرب الآجال بنتائج التحقيق الذي بدأته الحكومة المالية، ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم البشعة بأقصى ما تسمح به التشريعات المالية".

 

 

 

كما اتفقا أيضاً على تنظيم دوريات مشتركة على طول الشريط الحدودي بين البلدين الجارين، وإنشاء إطار للتشاور والتبادل وتقاسم المعلومات للحيلولة بصورة فعالة دون تكرار مثل هذه الأحداث.

 

 

 

** سحابة صيف

 

ويرى رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بمنطقة الساحل المختار آبكه، أن الأزمة الحالية بين باماكو ونواكشوط "سحابة صيف ستنجلي قريباً"، مضيفا أن "مالي تعيش ظروفاً أمنية صعبة وحالة من الارتباك".

 

 

 

وأضاف في تصريح لوكالة الأناضول أن "العلاقة بين موريتانيا ومالي علاقة ضاربة في القدم، كما أنها تمر بكل ما تمر به العلاقات بين دولتين متجاورتين من مد وجزر، فهما متداخلتان جغرافياً واجتماعياً".

 

 

 

ولفت آبكه إلى أن "مالي تعيش حالة من الانفلات الأمني وعدم بسط الدولة سيطرتها على كامل أراضي البلاد، وتنشط داخل أراضيها العديد من التنظيمات المتشددة".

ويعتقد الخبير الموريتاني أن "حجم التداخل في البلدين (موريتانيا ومالي) والمصالح المشتركة يجعلهما مجبرتين على البحث عن حلول والتعاون لمنع تكرار مثل هذه الأحداث المأساوية".

 

 

 

وترتبط موريتانيا ومالي بحدود برية هي الأطول في المنطقة، إذ تبلغ ألفين و237 كيلومترا، معظمها في صحراء قاحلة مترامية الأطراف.

 

 

 

وتنشط على حدود البلدين تنظيمات مسلحة عديدة، بينها فرع "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

 

 

 

وموريتانيا ومالي عضوان في مجموعة دول الخمس بالساحل، وهي تضم أيضا النيجر وبوركينافاسو وتشاد.

14 March 2022