عزيزة البرناوي تكتب حول خطاب الرئيس غزواني
فخامة الرئيس قرر بكل اختصار قطع الطريق على المتغالين في صبغ الواقع بملونات التبرير و أعترف بفشله في إدارة الدولة و عجز نظامه عن تحقيق برنامجه الانتخابي، محاولا القفز إلى الأمام وتبني خطاب الإصلاح و المطالبة بالتغيير في طريقه لإعادة قولبة التعهدات خلال ترشحه للانتخابات القادمة.
فبعد وقوفه مكتوف اليدين أمام تعالي ألسنة لهب الفساد في كل قطاعات الدولة، من نهب للثروات و تعطل للمناهج الاصلاحية، وغياب للاستراتيجيات التنموية، و تفشي المحسوبية و الزبونية، دون اتخاذ قرارات تتناسب مع موقعه القيادي: محاسبة أو إصلاحا أو كلاهما معا.
وبعد صمته الطويل عن معاناة شعبه الذي واجه خلال مأموريته أنواع الأوبئة و المجاعات و تضاعف نسب الفقر والمرض وانتشار انعدام الخدمات العمومية على طول وعرض التراب الوطني، قرر فخامته السفر في وفد رفيع المستوى إلى إحدى الدول الأوروبية و التربع أمام أشخاص قلة من الجالية ليلقي أمامهم خطابه الثائر..!
و كأنه خشي أن يطبق عليه أركان نظامه التكميم الذي يواجهون به كل مواطن قرر الحديث عن الواقع البائس الذي تحدث عنه رئيس الدولة بنفس الطريقة التي تحدثنا بها عنه مرارا وتكرارا و صنفنا أعداءً يعملون ضد البلد و النظام!!
فخامة الرئيس الذي تعهد بتحقيق مدن الأحلام و قطارات التطور و فرص العمل الجماعية و تشييد الوحدات السكنية و لم تستثن تعهداته الأحياء و لا الأموات حتى طالت المتسولين الذين ضرب بهم المثل مساء أمس، و نتذكر جميعا مقولته الشهيرة بأنه لن يترك أحدا على قارعة الطريق، لم يكن جاهلا أبدا بواقع البلد اقتصاديا ولا اجتماعيا و لا أمنيا، فلو كان أحد قادة المعارضة خلال العشرية كان باستطاعتنا التماس العذر له في عدم اطلاعه على حقيقة البلد، لكنه كان الرجل الثاني في النظام طوال عقد من الزمن و في موقع يستحيل معه عدم اطلاعه على كل صغيرة وكبيرة: اقتصاديا وأمنيا و عسكريًا حيث كان قائد الأركان العامة للجيوش، و كل الاستخبارات العسكرية والأمنية في قبضته، و كرجل وطني حريص على مصلحة البلد كما أخبرنا خلال الحملة الانتخابية الماضية لا يمكن بحال من الأحوال تقبل عدم اطلاعه على الحالة الاقتصادية للبلد، ليكون تساؤلنا في هذه الحالة مختزلا في:
مادمتم يا فخامة الرئيس كنتم على علم بأن إمكانيات البلد غير كافية لتحقيق تعهداتكم، لماذا حملتمونا على أجنحة الوهم لتلقوا بنا الآن في حفرة اليأس بعد انقضاء جل مأموريتكم؟؟!
وأين ذهبت شعارات محاربة الفساد و التعهد بالقضاء عليه؟ ألا يعتبر تحاشيكم لذكر الفساد في حديثكم عن آفات البلد الفقير تصريحا ضمنيا بما شهده حكمكم من فساد وتبذير و سوء تسيير؟!
و إذا كنتم قد صدقتمونا _ وكنا نحسبكم صادقين_ في خطابكم التاريخي بمناسبة تنصيبكم، حين أشدتم بالنهضة التنموية التي شهدها البلد في عشرية الرئيس السابق و نص خطابكم موجود ومتداول بالصوت و الصورة، فلماذا لا تستجيبون يا فخامة الرئيس لمطالبتنا لكم بالاستقالة وقد اعترفتم بفشل نظامكم وعجزكم عن الوفاء بتعهداتكم للشعب؟؟!
أما أنتم أيها الكذابون عبر القرون و على مر العصور، ألا تخجلون من أنفسكم ولو للحظات؟! حين تسمون اعتراف الرجل بفشله وفشل نظامه بالمصارحة ألا تعترفون في نفس الوقت بتآمركم على الشعب في المخادعة التي كنتم تمارسون؟!
وكيف تعتبرون أن ذلك الاعتراف المخيب و المؤسف بالفشل بداية أمل و بداية إصلاح في حين أكد الرئيس نفسه أن بقية المأمورية لن تشهد تغييرا و ما سيتحقق فيها سيبقى دون الطموحات و لا يرقى لمستوى الانجاز؟!
عزيزة
البرناوي