الاقلاع باصلاح المحركات
يعاني المجتمع الموريتاني منذ طور النشأة والتكوين ،إرث عادات وتناقضات إجتماعية غريبة ،غرست في ذهن الفرد سنة تلو الاخرى ؛حتى استعصت على الحلول نتيجة لربط هذا الارث المخملي بالفكر العقدي بل وأصل شرعا على أساس ترانبية طبقية عشائرية قبلية وفئوية ؛اعتمدت فيما بعد كمرجعية لتحديد مكانة الفرد أو الجماعة في المجتمع ،نفذ هذا السلوك المشين على كل المستويات ؛السياسي منها والاقتصادي والثقافي والوظيفي •
ربما يعود السبب في هذا إلى المفارقة بين الفكر والممارسة ؛فالممارسة السياسية للنخب الموريتانية ؛ممارسة عفوية عاطفية إلى درجة يمكن وصفها بسطحية الأساس،بل إنها بمختلف رآها لاتجسد إسهامات مختلف القوى الإجتماعية والسياسية ،وهذا ما انعكس بوضوح في الاختلالات البنيوية لإعادة تأسيس وبناء الدولة الحاضنة للكل بغض النظر عن العرق أو اللون •••
إن التحليل والتنظير الذي يقود إلى تحويل فكر النخب لواقع إيجابي ملموس ،يعتبر أمرا عسيرا يتطلب معرفة بالواقع ودقة في المعطيات حول نمو وتطور الحركات السياسية في البلد، وهي مهمة في غاية الدقة والصعوبة.ذلك بإعتبار أنّ الممارسات السياسية لنخبنا عصية على النقد والتحليل المنطقي الاستشرافي •
قد تكون بعض شعارات وخطابات الأحزاب والكتل السياسة ذات الخلفيات المؤدلجة غنية إلى حدما بضرورة احترام كرامة المواطن وسيادة الشعب على خيراته ومقدراته ومصيره ,ثم إن هذه-الخطابات-تتفانى ظاهريا بالدعوة للتشبث بروح المواطنة وإحترام حقوق الانسان ،بيد أن جل هذه الأحزاب في ممارستها الفعلية غير المقننة تدعم بصفة خفية تلك المسلكيات البائدة بطرق قددا•
فالواقع المعيش - وإن كان النظام الحالي ليس مسؤولا عنه بالدرجة الاولى - يشهد حركية نحو الإحباط والتردي والتنكر لكل هذه الشعارات والنصوص.من طرف النخب والإدارة •
فهل يراد للمواطن الموريتاني أن يعيش في فضاء ايديولوجي يبتعد عن المحسوس الى اللامحسوس وعن الحقيقة الى الخيال ؟أو يكون رهينا لاستغلال سياسي يكرس مبدأ الملكية الأحادية الشخصية للتحكم في كائنات سياسية أنشأت من أجل أن تساهم في تحرير العقل البشري وتشجع روح المبادرة والابتكار وتعدد الرؤى وتلاقحها في حقل وطني ديموقراطي يجسد الوحدة ويرسم أهداف التنمية الشاملة •
في -رأينا- أن الحقل السياسي -يعاني من ظاهرة جمود الوعي والإحساس بوطئة الاحباط وخيبة الأمل التي رسمتهالوحة الصراخ الصامت لمواطن صادق يشكو مرارة الفقر ••والبطالة ••وسوء المعاملة من إدارة كان يحتسب أنها لخدمته •
أعتقد أن هناك إجماع على إخفاق النخب السياسية في البلد سواء الحاكمة وغير الحاكمة في وضع الخطط والاستيراتيجيات لتحقيق التنمية الإقتصادية والاجتماعية .
إنّ هذا العجز،يجعل المستقبل مخيف •
ولا ريب في أنّ أهم مشكلة منذ الإستقلال إلى الآن تكمن في ضعف الوعي المدني الجماهيري
إنّ مرحلة التردي التي عاشها المجتمع في العقود الأخيرة وهو اليوم يئن تحت وقر تراكماتها التي استطرد رئيس الجمهورية في خطابه الأخير 24مارس 2022 نماذج حية منها تعطي صورة عن مدى سوء معاملة الادارة للمواطن وعن تلكئها وانشغالها عن تسوية مشاكله الملحة ،خوفا وتقربا من ذوي النفوذ ومجموعات الضغط القبلي ،الأمثلة أو النماذج التي اختار الرئيس في خطابه لم تكن وليدة الصدفة على ما اعتقد، بل إنها من أمهات المشاكل ،( مشاكل العقار الزاعي والسكني الحالةالمدنية الكهرباء المياه •••كان على الرئيس أن يذكر العدالة فهي ليست بخير ،المستشفيات هي الأخرى ليست بأحسن حال ••• وأشياء أخرى كثيرة )هذا الواقع المر ليس مصيرا محتوما ولا قدرا نهائيا.إنها مرحلة قد تطول بفعل تحكم وتمكن قوي راسخة القدم في الفساد وسوء التسيير في مراكز القرار ومفاصيل الدولة الحيوية وهي مرحلة قد تؤدي إلى الاسوء -لا قدر الله- أو الأفضل إذا استمر الرئيس في هذا التوجه والاتجاه وحول الأقوال لأفعال ،فالوضع القائم لم يعد مقبولا في هذا الزمن بالذات وفي هذا البلد الغني بالثروات .وتوفر الفرص المساعدة على تغييره إلى ما هو أفضل،قبل أن يتحوّل إلى ما هو أسوأ،في المدى القريب والمتوسط والطويل,
إنّ الوعي بهذه الحقيقة شرط ضروريي للإقلاع إلى ما هو أفضل،ولكنه يبقى شرط غير كاف.إذا لم تصاحبه الإرادة من كل المستويات-إرادتنا كأفراد وجماعات وأحزاب ومؤسسات،عمومية وخصوصية ؛إرادة الشعب والحكومة ثم الوعي و الادراك بحتمية وضرورةتعبئة الموارد البشرية المؤهلة والنظيفة لتولي الشأن العام من أجل مستقبل أفضل.
إنّ إدراك الرئيس بحقيقة تردي الأوضاع القائمة وبمناخ الإحباط العام لدى طبقة عريضة من المواطنين المتأتي من عزوف أو تمنع الإدارة عن الاستجابة لتلبية مطالبها على الخدمات التي هي من واجبات الدولة ومسؤوليتها . إن مسؤولية- هذه الحكومة - في حدها الأدنى،هي وقف هذا التردي ومنع الإنهيار الكامل.وهذا ليس بالمستحيل ولا فوق الطاقة ولاخارج حدود الامكانيات المادية والبشرية المتاحة.لذلك بات من الضروري سيما في ظل-هذه التغيرات والمتغيرات المتسارعة -،العمل على صياغة مشروعا حضاريا جديدا،يقطع الطريق مع كل مظاهر التخلف والتشرذم والإنحطاط ويؤسس بالتالي لنهضة وطنية خلاّقة.
وعلى أية حال كان الخطاب الاول والثاني والثالث في كل من ودان واسبانيا وقصر المؤتمرات ،وصفا حقيقيا وصحيحا لجزء من واقع معيش ليس حلو المذاق ولا سهل التحمل ،خصوصا إذًا ما قمنا بفرفرة خطب الرئيس وأضفنا لها قضايا ومشاكل أخرى متنوعة ومتعددة. لم تشملها كلمات الرئيس ثم تفحصنا الجمع بموضوعية ودون حكم مسبق أوموقف استاتيكي روتيني، يترجم حالة تقوقع وتحجر فكرالمعسكرات السياسية التقليدية التي تتخذ المواطن كوسيلة . لا كهدف غير أنه ينبغي أن يكون الهدف والغاية خدمة المواطن بما يضمن حقوقه في العيش الكريم •
وخلاصة قولي : ما العمل أيها الرئيس ؟بعد توضيكم لنا أنكم على اطلاع دقيق بما يجري من صغائر الأمور فضلا كبرياتها وعلى من تقع المسؤولية ؟أترك الجواب وأنا على يقين من أنكم حتى الان لم توفقوا في اختيار الفريق الذي يجسد الكلمة في فعل ملموس ومشاهد بالعين ،فيما يظل إصلاح الإدارة مرهون بتطبيق مبدئي المكافأة والعقوبة من أجل إقلاع بمحركات ليست بها عيوب ولا منتهية الصلاحية
النائب اسغير العتيق