مراقبون يتساءلون عن اكتشافات المغرب الجديدة للغاز وهل يمكنها تعويض الإمدادات الجزائرية
تحدث خبراء، عن اكتشافات الغاز المغربي الأخيرة، ومدى جدواها الاقتصادية، وإذا كان يمكنها تعويض الإمدادات الجزائرية التي انقطعت منذ أكتوبر من العام الماضي.
فبعد نحو 5 أشهر من توقّف الغاز الجزائري إلى المغرب بانتهاء العقد المبرم بينهما، عاد الحديث عنه، ولكن ليس من الجهة المتعلقة بإعادة النظر في القرار، بل على خلفية الاكتشافات الأخيرة التي أعلنتها الرباط.
وقال المغرب، إن اكتشافات الغاز الأخيرة قابلة للاستخراج والإنتاج بغرض البيع والاستغلال، ولتُظهر مجددًا إمكان تعويض الغاز الجزائري بوساطة الحقول والآبار المغربية المكتشفة.
**أهمية اكتشافات الغاز المغربي
يرى المدير السابق للاستكشافات في مجمع سوناطراك الجزائري، سعيد بغول، أن إعلان اكتشافات مهمة لحقول الغاز في المغرب مجرد حرب إعلامية، هدفها إقناع الجبهة الداخلية بأن توقف العقد مع الجزائر، وأنه لن يكون له أيّ أثر، وسيّعوض بسهولة.
وتساءل بغول عن توقيت هذا الإعلان، كونه يحمل في طيّاته علامات الاستفهام، قائلًا: "لماذا لم يعلن الاكتشاف عندما كان عقد أنبوب ميدغاز ساري المفعول؟"، فليس من المنطقي تغاضي أيّ بلد عن استغلال ثرواته الباطنية مثل الغاز، بينما تستعين بالغاز المستورد من الخارج.
وقال في تصريح خاص إلى "الطاقة"، إن التسليم بوجود حقول تحتوي على الغاز في المغرب لا يعني القدرة على استغلالها قبل 10 سنوات، نظرًا للاستثمارات الضخمة التي يتطلبها حفر بئر واحدة، بجانب المعطيات الجيولوجية المتحكمة في طريقة الحفر وعمق البئر وطبيعة التربة والصخور، التي تترجم بشكل تكاليف تحكم جدوى المشروع الاقتصادية، خاصة أن المغرب لا يملك أيّ خبرة في قطاع إنتاج المحروقات.
كما إن حجم الغاز، وفقًا لبغول، -الذي كان المغرب يستفيد منه بفضل عقد أنبوب ميدغاز-، يُقدَّر بمليار متر مكعب سنويًا بأسعار تكاد تكون رمزية، ومن ثم فإن تحقيق هذا الحجم من الإنتاج بشكل مستقر وبالتكاليف المالية نفسها مستحيل.
ودلّل على ذلك بتوقّف محطتي إنتاج الكهرباء، اللتين كانتا تستعملان الغاز الجزائري، لافتًا إلى أن المعلومات من داخل المغرب تؤكد العودة لاستعمال الفحم مصدرًا لإنتاج الكهرباء، ما عدّه دليلًا على استبعاد فرضية اكتشاف هذا المخزون.
**حقول تنبئ بمخزون
في المقابل، قال مدير الدراسات السابق بوزارة الطاقة الجزائرية والخبير الدولي، عبد الرحمان مبتول، إن المغرب يمكنه التوجه نحو الاستثمار في موارد باطنية أخرى، منها مجال الفوسفات بالدرجة الأولى، لا سيما في منطقة الريف، وهو ما يمكن أن يدل على وجود مخزون من الموارد في المنطقة.
وأوضح مبتول أن الفوسفات المغربي يتميز بدرجة نقاء عالية تتراوح بين 53 و60%، حسب الدراسات التقنية، من ثم فإنّ تكلفة تحويله لمادة تجارية لن تكون مرتفعة، خاصة أنّ أسعار الفوسفات ارتفعت مؤخرًا في السوق العالمية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ ارتفع إلى 160 دولارًا للطن.
ولفت إلى أن المغرب يسيطر على 80% من أراضي الصحراء الغربية، ومن ثم لديه إمكانات كبيرة لإنتاج الفوسفات، موضحًا أن هناك شركات إسرائيلية تسعى للاستثمار في فوسفات الصحراء الغربية، رغم التعقيدات السياسية التي تنتظر ما ستقرره الأمم المتحدة في هذا الشأن خلال الشهر الجاري.
**3 سنوات قبل الاستغلال التجاري
وفقًا للخبير الاقتصادي والنفطي الجزائري، عبدالرحمان عية، فإن مصطلح الاستكشاف في المجال النفطي والطاقوي يعني تضافر عديد من العوامل والمراحل التي سبقت إعلان حقل أو بئر معين، ومع هذا فهذا الأخير لا يعني أنه سيكون جاهزًا للاستغلال والإنتاج مباشرة.
ودلّل عية على هذا الأمر بأن المراحل الأولى لعمليات الاستكشاف تكون في أغلب الأحيان عن طريق صور القمر الصناعي، ثم تليها عمليات المسح الزلزالي التي تتيحها التكنولوجيا حاليًا، وبعدها تأتي مرحلة الحفر الاستكشافي التي تسبق عملية الحفر الأساسية.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر، إن هذا النوع من الاكتشافات لا يجيب على الأسئلة الأساسية والضرورية، لا سيما الحجم الحقيقي للمخزون وإمكان استخراجه، والتكاليف المطلوبة التي ترتبط بمجموعة من النقاط على غرار عمق البئر وطبيعة الصخور أو التربة التي توجد فيها المحروقات، بالإضافة إلى نوعية المخزون، وذلك في معادلة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار أسعار النفط بالأسواق العالمية.
وأوضح عبدالرحمان عية، أن بدء الاستغلال التجاري وبيع المخزون من النفط أو الغاز، أو استعماله لتغطية الطلب المحلي، تُقدَّر في المتوسط بنحو 3 سنوات منذ بداية أعمال الحفر الخاصة بالإنتاج.
ومن ثم، فإنّ الاعتماد على الاكتشافات الأخيرة لتعويض توقّف إمدادات الغاز الجزائري، بعد توقّف أنبوب "ميدغاز"، الذي يتجه نحو إسبانيا عبر المغرب، لن يحدث حاليًا، مشيرًا إلى أن هذه الكمية من الغاز الجزائري يمكن تعويضها، بحكم كونها ليست كبيرة.
كان المغرب يستفيد من عبور أنبوب "ميدغاز" عبر أراضيه، قبل 31 أكتوبر/تشرين الأول، منذ انتهاء العقد، على نحو مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، أي ما يمثّل 97% من احتياجاتها.
ويحصل المغرب على نصف هذه الكمية في شكل حقوق طريق مدفوعة عينًا، والنصف الآخر يشتريه بثمن تفاضلي، وكان الغاز الجزائري يزوّد محطتين للكهرباء في تهدارت (شمال) وعين بني مطهر (شرق)، بما يصل إلى نحو 700 مليون متر مكعب سنويًا.
وتوقّع عية إمكان تعويض الغاز الجزائري، لا سيما أن الاستثمار في القطاع الطاقوي والنفطي مرتبط أيضًا بالمعطيات الجيوسياسية، والتوازنات الدولية، وكذا القرارات السياسية، ومن ثم فإنّ احتمال حصول المغرب على مساعدات مالية وتقنية من أوروبا وارد، في محاولة للبحث عن بدائل لإمدادات الغاز الروسي.