اختلالات المنظومة التربوية وفسادها في موريتانيا / محمد الأمين عابدين
يقول الدكتور سلمان العودة -فك الله أسره-: "التغيير مهما كانت صُوره وأدواته مغامرة تستحق أن تُخاض".
وعلى ذكر التغيير، والشيء بالشيء يذكر، فقد خاض المدرسون غمار إضرابات عديدة في موريتانيا من أجل تغيير واقعهم البئيس وظلت الحكومات المتعاقبة تتصامم عن مطالبهم المشروعة وتعمد إلى قطع أرزاقهم والتنكيل بهم حتى لا تقوم لهم قائمة..، ولم يزدهم ذلك إلا إصرارا وتمسكا بمطالبهم الملحة.
ولم تكن حكومة الرئيس غزواني بِدْعا من الحكومات الموريتانية رغم تعهد الرجل في حملته الإنتخابية بجعل المدرس في ظروف مرضية تسمح له بمزاولة مهنته الشريفة على أكمل وجه، فإن راتب المدرس ما يزال هزيلا، وهو كالعلاوة بالنسبة لموظف في قطاعات أخرى في الدولة، فأي ظلم وأي تهميش وأي غبن وعدم مساواة فوق هذا؟
لم تترك حكومة الرئيس غزواني ممثلة في وزير التهذيب الوطني السيد محمد ماء العينين ولد أييه لهيئة التنسيق المشترك بين النقابات الفاعلة في مجال التعليم الأساسي والثانوي خيارا إلا الإضراب خاصة بعد تصامم الوزير الدائم عن مطالب هذه الهيئة، واشتغاله عن القطاع بالمؤتمر الصحفي الأسبوعي الدائم لمجلس الوزراء.
وفي هذا السياق فإن هيئة التنسيق المشترك لم تدخل في "إضراب الشموخ" الجاري (09 مايو-14 مايو الجاري) إلا بعد أن أقاموا الحجة على الوزارة وعلِموا أنها تسعى إلى كسب الوقت وتماطل تحت يافطة تسمى "مشروع تثمين المدرس" الذي يعتبر ظرفا فارغ المحتوى وخدعة لهيئة التنسيق المشترك لاستغلال الوقت، فما الذي قدم هذا المشروع للمدرس بعد سنتين من إنشائه حتى الآن؟ لا شيء، فهو لازال اسمه مشروع.
وما تزال الإنجازات التي يتبجّح بها الوزير متواضعة جدا، رغم إحاطتها بهالة إعلامية كبيرة، وتشتمل على الكثير من المغالطات:
▪︎لا يفتأ الوزير يردد أنه ضاعف علاوة التجهيز فهل تعرفون كم تبلغ هذه العلاوة التافهة؟
أشير إلى أن هذه العلاوة كانت 2000 أوقية جديدة سنويا وأصبحت بعد المضاعفة 4000 أوقية جديدة سنويا، وهي غالبا لا تأتي في الوقت وإن أتت فهي لا تجهز ميتا قصير القامة أحرى أن تجهز حيا.
▪︎ ذكر الوزير بأن علاوة الطبشور زِيدت، فقد كانت 3000 أوقية جديدة وأصبحت بعد الزيادة 4500 أوقية جديدة ففيمَ ستنفع المدرس زيادة 1500 أوقية جديدة في ظل الارتفاع الصاروخي للأسعار!؟
وفي مقابل زيادة العلاوات التافهة التي ذكر الوزير زِيدتْ ميزانية الوزارة ب 18 مليار أوقية قديمة في السنوات الأخيرة فأين ذهبت كل هذه الأموال؟ طبعا "امشات" في الورشات عديمة الفائدة والتي لا تخدم العملية التعليمية.
▪︎لماذا يغالط الوزير الرأي العام بجعل رواتب مقدمي الخدمة ضمن كتلة الرواتب العامة وكأنها زيادة لكتلة رواتب المدرسين الرسميين، التي لم تُراوح مكانها منذ قرابة عقد من الزمن.
▪︎ لا تعتبر ترقيات المدرسين اكتتابا جديدا، وليست مِنة، وهي حق للمدرس، ولم يتم ترقية أي مدرس منذ ثلاث سنوات.
▪︎التكوين المستمر لم يحصل منه خلال ثلاث سنوات إلا ما أغضب الأساتذة فقاطعوه، أو خدع المعلمين فشاركوا فيه، فلم يجنوا منه سوى تبديد رواتبهم الهزيلة، إذ كانت التعويضات مستفزة وغير منطقية.
▪︎البنية التحتية: تتسم البنية التحتية للمؤسسات التعليمية عموما بالضعف والتهالك وعدم تلبية الحاجة؛ فالأقسام مكتظة (120 تلميذا في القسم الواحد بالعاصمة نُواكشوط مثلا، و160 تلميذا في الفصل الواحد في عواصم الولايات؛ وهو ما عرّض بعضهم لحالات صرع أربكت الجهات الإدارية وأفزعتها) أما قاعات الدرس فهي خربة منعدمة الصيانة.. وليست لها نوافذ وتارة بلا سقف سليم، والسبورات رديئة والطباشير مميتة، والطاولات متكسرة..
▪︎إن أغلب المؤسسات بلا سور وإن وجد فهو قصير ومتهالك.. مما يجعلها قبلة لقطاع الطرق والعصابات المتخصصة في أنواع الجرائم وبيع المخدرات.
▪︎إن الوزارة تُبوّب كل سنة في ميزانيتها على إصلاح المؤسسات وصيانتها ونظافتها وتزويدها بالماء والكهرباء وتُخصّص لذلك أموالا طائلة، غير أنها لا تُصرف فيما خصصت له بل إنها تذهب إلى جيوب المفسدين الذين ينفقونها وفقا لمآرب وغايات تخدم أباطرة الفساد وأذيالهم الذين تعج بهم أروقة الوزارة وأزقتها الضيقة المظلمة.. التي نأمل أن ترى النور عاجلا.
▪︎غياب الأمن دخل المؤسسات التعليمية: تعرف المؤسسات التعليمية غيابا للأمن؛ مما يجعل التلاميذ والأساتذة يدفعون ثمن هشاشة الأمن داخل المؤسسات وخارجها، حيث أنه كثرت في الآونة الآخيرة عمليات الاعتداء المتكررة عليهم..
▪︎الخريطة المدرسية: إذا أمعنا النظر في الخريطة المدرسية نجد أن توزيع المؤسسات داخل الحيز الجغرافي يمتاز باختلالات كبيرة، فعلى سبيل المثال تتركز في نُواكشوط أغلبية المؤسسات التعليمية في حين يحرم الوسط الريفي منها،
والذي مازالت بعض مؤسساته مغلقة لحد الساعة!.
▪︎ نقص الكادر البشري وسوء توزيعه: رغم محاولة الدولة الخجولة والمرتجلة.. لسد النقص الكبير الحاصل في الكادر البشري على مستوى المؤسسات بسبب تسييب وتفريغ المدرسين وإعارتهم لقطاعات أخرى بضغوط من النافذين، ما زال الطاقم يشهد نقصا كبيرا وتوزيعا سيئا يخضع للزبونية والمحسوبية والجهوية والطائفية المقيتة.
تتطلب مراجعة التوزيع الحالي للمدرسين تحديث المعايير وتطبيقها بدقة وفقا للنصوص المعمول بها حتى تتحقق العدالة.
▪︎الترقيات: تفتقر الترقيات إلى الإنصاف وما زالت خاضعة للمحسوبية والزبونية والوساطة التي بدونها قد يقضي المدرس عمره حاملا للطباشير الرديئة والسيئة الصنع، النتنة القاتلة.. مستنشقا غبارها.
▪︎الكتاب المدرسي: إن معظم المؤسسات تعرف افتقارا كبيرا في مجال الكتاب المدرسي للتلميذ الذي يبدو المعهد التربوي الوطني عاجزا عن توفير القدر الكافي منه، وما هو موجود منه مليء بالأخطاء التي يعتبر بعضها غير مقبول عقديا ومنهجيا ومُحرّفا للحقائق العلمية الثابتة؛ مما يجعل البعض يتتساءل عن المعايير التي على أساسها يتم انتقاء مؤلفي الكتاب المدرسي، ولماذا لا يوجد كتاب خاص بالأستاذ!؟
ومن الإنصاف القول إن الوزارة لا تبدو جادة في تغيير واقع التعليم البئيس.. وما قامت به حتى الآن لا يعدو كونه ذرا للرماد في العيون.
إن التعليم يحتاج إصلاحات شاملة وجوهرية تنطلق من تشخيص دقيق للمشاكل القائمة والشروع في إيجاد حلول جذرية لها، وهنا أسجل بعض الحلول التي من شأنها أن تساهم في حلحلة هذه المشاكل المتشعبة قبل تفاقمها:
- تحسين ظروف المدرسين عن طريق زيادة مجزئة في الرواتب من شأنها أن تجعل القطاع قبلة لأصحاب الكفاءات بدل جعله طاردا لهم؛
- استحداث علاوات للمدرسين الميدانيين، إضافة إلى جعل كل العلاوات مستمرة على كشف الراتب طيلة أشهر السنة الاثني عشر؛
- تشييد بنية تحتية متماشية مع متطلبات العصر، وترميم ما هو قابل للترميم منها؛
- بناء سور حول كل مؤسسة يحميها؛
- اكتتاب حرس للمؤسسات التعليمية؛
- توزيع المدرسين بشكل عادل على المجال الموريتاني مع مراعاة ظروفهم؛
- تنظيم اكتتاب سريع لسد النقص كما وعد بذلك فخامة الرئيس؛
- توفير كتاب مدرسي للأستاذ وآخر للتلميذ مع ضرورة العناية بهما حفاظا على سمعة البلد فالكتب تنقل لأصقاع العالم وتحمل هوية البلد؛
- منح قطع أرضية للمدرسين، مع رسم سياسة فاعلة وقابلة للتطوير لتوفير السكن؛
- التكوين المستمر للمدرسين، وهو ما يغيب عن القطاع قرابة عشر سنوات أو أزيد، في حين أن نظراءَنا في القطاعات الوزارية يتلقوْن تكوينات فصلية ودورية كل سنة ووزارتنا تدعي أنها من أكبر الوزارات ميزانية، فما هذه المفارقة؟
- اعتماد نظام مبدأ العقوبة والمكافأة بشكل سليم وعادل..؛
- تطبيق نظام الأسلاك بصيغته التوافقية لسنة 2012.
-إعلان مسابقة لاختيار مؤلفين أكفاء وتفريغهم لإعداد ومراجعة الكتب المدرسية؛
- فتح حوار جاد مع هيئة التنسيق المشترك من أجل تحقيق المطالب العادلة والمشروعة للمدرسين.
عاشت وحدة المدرسين سبيلا لانتزاع الحقوق وتقويم السياسات العرجاء للوزارة والتي تعنونها بالإصلاح.