ثلاث سنوات من المأمورية الأولى لرئيس الجمهورية (العبور الآمن)

تمكن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى من عبور ثلاث محطات حاسمة فى مسار توطيد حكمه، وأدار الأزمات التى واجهته منذ انتخابه بهدوء كبير، وثقة عالية، رغم الأجواء الداخلية والخارجية غير المواتية، لتوطيد أركان نظام مدنى يراد له التشكل وفق الأصول القانونية والسياسية والأخلاقية المتعارف عليها فى الأنظمة الديمقراطية، بعيدا عن منطق حكم الفرد والمبادرات المفتوحة. 

 

 

فحينما أندلعت أزمة المرجعية تبادل بعض السذج على شبكات التواصل الإجتماعي النكات، زاعمين أن الرجل يحكم به ولايحكم، وأن نهاية حكمه رسمت فى اجتماع المقر العام لحزب الإتحاد من أجل الجمهورية، بعدما سمح لمجلس " السيادة" بعقد اجتماعه دون مضايقة أو تدخل، بل زعم البعض أن الأجهزة الأمنية التى رابطت أمام مقر الحزب دون تدخل كانت مهمتها توفير الحماية لمرجعية الحزب التاريخية والمجلس المنعقد بصفة استثنائية ، وأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى خارج المشهد أو يكاد. ولكن الصورة بعد شهرين فقط كانت بعيدة كل البعد مما رسمه أصحاب الرؤى الحالمة، والتحليلات غير المحكومة بقواعد المنطق وتجارب الحكم والمعرفة بكواليس الصراع داخل دوائر الحكم. لينتهى المشهد بالقوم بين تائب من ذنبه، منشغل بالدعوة عن السياسية، ومطارد أغلقت فى وجهه كل أبواب العمل المشروع داخل البلاد وخارجها، وتاه رفاقه بين أزقة العاصمة المظلمة، رغم مليارات الأوقية المهدرة طيلة عقد أو يزيد من التسيير غير  المعقلن لملف الكهرباء والطاقة والمياه وأشياء أخري... 

 

 

وحينما هبت رياح كورونا على العالم ذات ربيع مشؤوم، تبادل الرفاق التهانى، وهم يمنون النفس بثورة جياع قادمة، بفعل الإغلاق العام الذى عاشته كبريات الدول، واضطراب سلاسل التوريد، وضعف قدرة التخزين فى الموانئ والأسواق المحلية، ووجود تحديات مرتبطة بالعلاقات الخارجية غير المستقرة لموريتانيا، بفعل التحول بين اليمين والشمال. لكن الحركة بالموانئ ظلت كما هي، ولم تتوقف حركة الشاحنات عبر الطرق الداخلية، وانتعشت الأسواق بفعل السيولة التى وفرتها الدولة عبر ضخ مليارات الأوقية مجانا لأهل الحاجة والفقر، وفتحت أبواب الشرطة والدرك والجيش والمدرسة الوطنية للإدارة والمدرسة العليا للتعليم ومدارس تكوين المعلمين ومراكز التكوين المهنى، أمام الشباب العاطل عن العمل، ولم يغلق باب توظيف فتح من قبل أمام أي راغب فى خدمة وطنه، والإنتماء للمنظومة الإدارية بالبلد، ولم تلغ خطط الترسيم المعلنة قبل الجائحة، ولم تقلص ميزانيات التسيير، وتضاعفت الأموال الموجهة للصحة والتعليم والزراعة والصيد، وتمت عقلنة قطاع المعادن، وأحكمت الأجهزة الأمنية إغلاق الحدود الخارجية، ووزع التلقيح بالمجان فى المدن والقرى والأرياف دون تدافع أمام النقاط الصحية أو عجز فى المنظومة المسؤولة عن حماية أرواح الناس دون تمييز أو محاباة. 

 

 

وبعد سنتين من الصراع المفتوح مع الفيروس الشرس خرج البلد من أزمة كوفيد ١٩ بأقل الخسائر لله الحمد،  دون أن يتوقف الإمداد، أو تنهار الأوقية، أو يتراجع احتياطى الذهب والعملات الصعبة بالبنك المركزى، أو تتأخر الدولة عن سداد الديون الخارجية أو الداخلية، أو تلغى عقود الإعمار والبناء، أو تراجع طبيعة المنظومة السياسية والتنفيذية لتوفير فائض من المال، كان البعض يعتقد أننا سنحتاج إليه فى قادم الأيام. 

 

 

ولم تكد موريتانيا تخرج من أزمة كوفيد، حتى أطلت أزمة الجوار المالى، بعد انهيار مؤسسات الدولة المالية (الرئاسة والحكومة والبرلمان)، وتغول الجيش على المدنيين، وسقطت البلاد فى فخ الحصار الخارجى، بعد عقد من الإحتراب الداخلى. 

 

 

أزمة بالغة الصعوبة على الحدود الجنوبية والشرقية وفى الوقت الحرج، لكن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى تعامل مع الأزمة بالجوار المالى بقدر من العقلانية، فحضرت مقتضيات الجيرة، وثقل الدور الطلائعى بالساحل، والسيادة فى مواجهة الإملاءات الغربية عموما والفرنسية على وجه الخصوص، وتحول ميناء نواكشوط إلى ميناء للأخوة، وفتحت الحدود المشتركة دون تحفظ، وسيرت الرحلات التجارية بين الولايات الحدودية، وتقاسم الشعب الموريتانى مع النظام عبء الأزمة المالية دون ضجر، أو تظاهر، أو إحتجاج، أو صدام مع الأخوة الماليين، رغم الأحداث الأليمة التى سجلت ضد بعض الرعايا الموريتانيين من جهات مسلحة مجهولة الهوية فى بعض الأحيان، ومعلومة الهدف فى أحايين كثيرة. 

 

 

كانت ثلاث محطات حاسمة فى مسيرة النظام بل والدولة الموريتانية ككل، ولكنها سيرت بمنطق عقلانى، وأديرت بمنطق يمنح الأمان للكل دون تمييز أو تعامل خارج عن الأعراف والقيم، وسلوك يعلى من قيم الدولة الحديثة، ويسكت الأصوات الشعبية دون اللجوء لمنطق القوة وفرض الطاعة بالسوط ومسيلات الدموع أو الذخيرة الحية.. 

 

سيدي احمد ولد باب

 

 

28 July 2022