معهد ورش ..12 سنة ..وعشرة آلاف حافظ ...رحلة القرآن التي أعادت الاعتبار إلى "مرابط اللوح" (فيديو)
بين بحر الرمال والبحر المحيط، وعلى القمم وبين سفوح الجبال الشامخة،، وبين الأودية والمسارب، وعلى ضفاف النهر، وتحت ظلال باسقات النخيل، انطلق ركب الأشراف، يحمل التاريخ لوحا ومصفحا ودواة، تراتيل شنقيطية تهز أعماق الأيام، وتفتر عنها زاهرات القرون.
ونحن ركب من الأشراف منتظم
أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
بها نبين دين الله تبيانا
فإذا الدهر حنجرة شنقيطية تتغنى بالقرآن، وإذا القلوب مفعمة بعمق القرآن الكريم، تميس بين مدوده وغناته، كما يميس أغصان الدوحة الفيحاء تحت، لم يستسلم الشيوخ، ولا اننثى الطلاب رغم المغريات الكثيرة، ظل القرآن الكريم عبر رواية ورش نغمة الحياة، ونبع القيم،
ظل الصوت صادحا، والأمانة محفوظة، حتى استلمها معهد " ورش" فانفتحت صفحة جديدة، من تعليم القرآن الكريم في بلاد شنقيط، وثاب آلاف الطلاب إلى منهل قرآني عذب والمنهل العذب كثير الزحام.
رحلة النشأة ومسار الإتقان
نسمة في الشغاف وتراتيل في الأسماع يتردد اسم ورش منذ 12 سنة، بعد أن تلاقت كلمة نخبة من التجار والمنفقين الموريتانيين، على إنشاء معهد موريتاني صرف يحمل اسم شيخ المقرئين، ليعمل من أجل نشر القرآن الكريم ومعارفه، ومد جسوره إلى أبعد ما يمكن أن يصله مدى المكان، وما ينبغي أن يصله طموح الإتقان.
(صور أو مقاطع صامتة مع بدايات المعهد)
سفر متواصل منذ 12 سنة، وسفر من النور، يرتقي كل سنة في مراقي السعود، منسابا بين مدارج السالكين فجاج الخير، ودروب القرآن الفيحاء.
في 1/1/ 2010 انطلقت المسيرة، كانت الجهود بسيطة، والقدرات محدودة، لكن الطموح كان محنجا والتصميم فخما قويا.
وفي البنية الإدارية للمعهد، تأخذ المؤسسية والشفافية بزمام العمل الإداري تخطيطا استيراتيجيا، وتنفيذا متقنا، وتسييرا محكما للموارد البشرية والمالية، وفق رؤية التألق القرآني التي تضيئ آفاق "ورش"
وتنتظم الإدارة في بنية مؤسسة محكمة، تتوزع فيه الإدوار وتتكامل، وتتضامن فيها المؤسسية والإبداع (جرافيكس للبنية الهيكلية للمعهد)
إن إدارة المعهد لتفخر كل الفخر بما تحقق خلال السنوات المنصرمة، وعلى رأسه مسارالتعاون مع القرى والمبادرات الاجتماعية، ورجال الأعمال، والذي مكن المعهد خلال السنوات الأخيرة من التوسع الكبير، في حالة نادرة محليا من الجمع بين التمدد والإتقان
في ظلال القرآن الكريم
يمتد معهد ورش اليوم في أعماق موريتانيا وفي مختلف ربوعها من ولد ينجه في أقصى الجنوب إلى نواذيبو في أقصى الشمال، ومن نواكشوط على ضفاف الأطلسي إلى باسكنو في أقصى الشرق، لكنه أيضا يمتد بعمق ورسوخ في الضمير والوجدان الجمعي للمجتمع الموريتاني، بعد أصبح اسم معهد معهد ورش "علامة مسجلة" للإتقان والامتياز والريادة في تعليم القرآن الكريم ونشر معارفه.
ويعتمد المعهد في بنيته التربوية على منهج تدريسي محكم، يشرف عليه نخبة من خيرة القراء المتقنين، حيث تتوزع مسيرة الدراسة إلى ثلاث مراحل مهمة جدا
مرحلة الحفظ بالتجويد: االتي تبدأ من التهجي إلى ختم القرآن الكريم في مدة ثلاث سنوات حافلة بالإتقان.مرحلة الإجازة: وفيها يدرس الطالب الكتب والمقررات الرديفة التي يستحق بإتقانها الإجازة المتصلة السند من شيخه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.مرحلة التخصص في القراءات: وهي المرحلة النهائية التي ينال فيها التلميذ الإجازة الأعلى في القراءات السبع والعشر.
ويشرف على كل ذلك علماء متقنون، ومقرئون مبرزون في القرآن وعلومه، وذلك وفق رؤية تربوية تجمع بين الحفظ الراسخ، والتجويد المتقن، والتخلق النبيل بأخلاق أهل القرآن، أهل الله وخاصته، يتوزعون بين فريق تدريس متقن، وفريق إشراف تربوي يجمع بين عمق التربية ومعرفة تقنيات التدريس وبين الصرامة اللازمة لتحقيق مستويات الجودة العليا في الدرس القرآني المجيد.
وإلى جانب هذا التخصص يدرس الطالب متونا مختلفة في معارف الشريعة واللغة العربية، بما يمكنه من أن يستكمل بجدارة شخصية الشنقيطي الأصيل، ودور المحظري الناصع، مع مواكبة للعصر
وإلى جانب ذلك يستفيد طلاب ورش من أنشطة تربوية ورياضية متعددة، زيادة على حي طلابي يضم كل الخدمات الأساسية للسكن والإعاشة، بل أكثر من ذلك، كسر ورش الظاهرة التقليدية بنقل صدقات البيوت إلى المحاظر، فأصبح المعهد يوزع فائض وجبات التلاميذ على الفقراء من الطلاب والمتعففين من جيران المعهد
ولقد مكن هذا الجهد النبيل والمتواصل من حصد ثمار النجاح، وتحقيق أهداف البذل، فامتد لائحة حفاظ "ورش" لتشمل الآلاف من مختلف أبناء وبنات موريتانيا، ومن مختلف أنحائها، ولا زالت اللائحة في ازدياد، كواكب أنوار تلتحق أسماؤها في كل حين بمجرة النور، وسجلات أهل الله، كما تكلل هذا الإتقان بفوز مشهود لطلاب ورش في المسابقات المهمة، فنال أحد فتيان القرآن من أبناء آدوابة الجائزة الأولى لمسابقة رئيس الجمهورية، ونالت إحدى رياحين الذكر الحكيم الجائزة الثالثة، ولطلاب ورش أيضا سبق وتميز مشهود في دروب النجاح المختلفة في المعاهد والكليات والجامعات والمحاظر التي انتقلوا إليها بعد نهل من معين ورش
ولقد جاءت هذه النتائج ثمرة لمسار مهم من تكريم مدرسي القرآن من خلال منجهم الرواتب المجزية، والتكريمات السنوية، زيادة على التكوين المستمر الذي توسع ليشمل كل الراغبين في تدريس القرآن الكريم من داخل المعهد وخارجه، لتصبح بذلك شهادة التكوين أو الإجازة من ورش العنوان الأصدق للإجادة والتميز.
آدوابة ..رياض القرآن
أخذ ورش على عاتقه، وفق رؤية متميزة، أن يصل القرآن إلى كل حدب وصوب من هذه البلاد، وخصوصا المناطق الأقل حظا من التعليم، والفئات المهمشة، فكانت آدوابة وجهة التركيز الأساسية التي تدفق إليها نهر القرآن الكريم خلال الفترة المنصرمة.
ومن بين حفاظ المعهد يوجد اليوم مئات من أبناء آدوابة، الذين انتشلهم ورش من وهدة الضياع، ومن قاع الأمية السحيق، ليرتقوا بعد سنوات قليلة مدارج الخيرات، ويرتعوا في رياض الصالحين، وليعود أكثرهم إلى القرى والحقول معلمين للقرآن، ومدرسين للخيرات، وهناك لا تسأل عن الفرح الذي عم القلوب، وأضاء الوجوه، وانساب في تعابير صادحة منبئة عن عظيم دور المعهد، وجميل ما أنجز في تلك البيئات التي تحولت من محاضن للأمية إلى رياض مفعمة بالقرآن الكريم.
رياحين القرآن ..امرأة قرآنية ..أمة ناهضة
ركز معهد ورش جزء كبيرا من اهتمامه على تعليم المرأة، سواء كانت امرأة الريف التي تصارع من أجل ضروريات الحياة، أو امرأة المدن التي تواجه من مغريات الحياة، ودروب الانشغال ما لا سقف له، كاسرا بذلك التقليد القديم الذي لا يأبه لتعليم النساء في الغالب، وينتظم الآن في المعهد مئات الطالبات من مختلف الأعمار فمنهن زهرات دون العاشرة من العمر، ومنهن جدات يدرسن بجنب حفيداتهن، في تآزر وسباق نبيل إلى حفظ القرآن الكريم
ومن بين حفاظ المعهد يوجد المئات من الحافظات من بينهن أكثر من 130 مجازة في قراءة نافع، وذلك في نجاج منقطع النظير زاد من أهميته، تحول عدد كبير منهم إلى أستاذات في عدد من فروع المعهد، لتكون القسم النسائي في المعهد خاصا بالرياحين، طالبات ومدرسات،
اقرأ وارتق
تلك المسيرة، ميمونة الخطى، محمودة النتائج، دانية القطاف، أنشأها سيرتها الأولى فرسان القرآن، من منفقين كرام، وقراء بررة، وطلاب مثابرين، ثم تمددت مثل الهدى وانتشرت كضياء الصباح، واحتضنها المجتمع وسلطة وقادة العلماء ومنفقين إقبالا وتعاونا ودعما وتزكية
لكن الطريق طويل، بل هو مسيرة حياة، وأمل أمة، وما زال في الأفق كثير مما ينبغي إنجازه، وكلما توسع معهد ورش وتمدد، اتسعت دوائر الإنفاق وضرورات التطوير، ومتطلبات الاستمرار، لتصدح رسالة ورش داعية الجميع، إلى الالتحاق بركب الأشراف، ومنتدى الخيرات، ومرقاة الذكر الحكيم، ليصدح في الضمائر والشغاف النداء النبوي الخالد (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)